عيد المقاومة والتحرير: من الجنوب تلوح فلسطين في الأفق!
في يوم المهرجان اقتربت مني امرأة كبيرة في السن (الحاجة) وقالت: يَمّا ساعدني، بدي انزل أكثر، بدي أشوف بلادي، بدي أشم هوا فلسطين، هذا ما رواه أحد الفلسطينيين المبعدين قسراً الى لبنان خلال وجوده في مهرجان الانتصار الذي نظّمته الحملة العالمية للعودة الى فلسطين – المُقام عند الحدود اللبنانية الفلسطينية – احتفاءً بذكرى الانتصار الكبير للفصائل الفلسطينية في معركة “سيف القدس” وذكرى عيد المقاومة والتحرير في الخامس والعشرين من أيار عام 2000.
اختيار منطقة الحدود ليس صدفةً، إنما يحمل رسائل ذات دلالات مهمة. هذه البقعة من الأرض التي شهدت اجتياح قوات كيان الاحتلال في العام 1982 حيث كان يُنكّل بأهلها عند الحواجز الإسرائيلية التي تتحكّم بحركة مرورهم الى أرضهم وبيوتهم. اليوم، إنها أكثر الأماكن أمناً وأماناً على أهلها وزوّارها. فالمقاومة أخرجت الاحتلال الى ما بعد الجدار الفاصل الذي بناه الاحتلال “تحصناً لبيته” والذي بات “أوهن من بيت العنكبوت”.
هذا التوصيف للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في بلدة بنت جبيل الجنوبية، يُسمع صداه الى اليوم: جبهة داخلية إسرائيلية هشّة تعاني من الأزمات السياسية والأمنية، وجيش تكبّله قواعد الاشتباك التي لو تجرّأ وتجاوزها لن يسلم من صواريخ ومسيّرات المقاومة، فالمشهد في الحرب المقبلة لن يشبه ذاك الذي كان على شواطئ “تل أبيب” في تموز / يوليو عام 2006. تدرك مؤسسات الاحتلال هذا جيداً، حيث تشير مراكز صنع القرار الإسرائيلية في توصياتها للمستويات السياسية والعسكرية الى العمل على تقصير أمد العمليات العسكرية تجنباً لصواريخ المقاومة، خاصة مع امتلاك حزب الله الصواريخ الدقيقة في جعبته. يضاف إليها، كسابقة تاريخية، تهديد أمن الطاقة في الكيان المؤقت بعد ان أطلقت المقاومة معادلتها لحماية الثروة النفطية، فـ”لدى اللبنانيين مقاومة تستطيع أن تقول للعدو الإسرائيلي: إذا منعتَ لبنان من التنقيب عن الطاقة فستمنعك أيضاً”.
22 عاماً على التحرير، كتبت خلالها المقاومة في لبنان صفحات جديدة من الانتصارات التي شكّلت الأرضية لبناء قدراتها ومراكمة معادلاتها وتمدّد جذورها الإقليمية. فتنهض مع محور القدس لتشقّ صفحة الهزائم منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 على أنقاض المدن الفلسطينية، رافعة شعار “إزالة إسرائيل من الوجود”، وتسير على درب التحرير الأكبر عملياً. إنّ الأمر تجاوز اليوم “البيت” الإسرائيلي الواهن الى “البيت” الزائل والكيان المؤقت.
في النتيجة، إن مشاهد كسر قيود المعتقلين في معتقل “الخيام” أيام التحرير والتي حفظتها الذاكرة اللبنانية جيلاً بعد جيل سيعايشها أيضاً الأسرى الفلسطينيون – قريباً – حتى تشمّ “الحاجة” هوا فلسطين من تحت سماء القدس.