الحق الاقتصادي في الثروات البحرية لا تلغيه الاختلافات على ترسيم الحدود
البحر الأبيض المتوسط
في ظلّ حركة مكوكية لرئيس الموفد الأمريكي المفاوض عاموس هوكشتاين بين بيروت و”تل أبيب”، وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي يحاول بثّها في تصريحاته، الا أنه لا يمكن بعد حسم المسار الذي سيسلكه ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلّة. اذ إن كيان الاحتلال غير معنيّ بالاعتراف بحقوق لبنان لولا المعادلات التي فرضتها المقاومة والتي تجبره على التنازل في صيغة معيّنة.
وعلى الرغم من أن “إسرائيل” ليست طرفاً موقعاً على قانون البحار الدولي الا أن القوانين الدولية تعطي لبنان الحق في استكشاف واستغلال موارد البحرية في مناطقه البحرية وهذا لا يحدّه الاختلاف على ترسيم الحدود.
وفي هذا الإطار، يشرح العرض الآتي مفهوم الحق الاقتصادي في الثروات البحرية كحق سيادي تمارسه الدولة الساحلية على ثرواتها البحرية، وفقا للقوانين والتشريعات الوطنية والدولية. وتجيب أيضا حول كيف أصبح هذا الحق محل نزاعات بين الدول بين منطق استخدام القوة وكل وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي والعسكري للاستيلاء عليه لنهب الثروات.
قبل ان يدخل العالم في إطار نظام دولي منظّم مبني على تشكيلة أساسية ومكوّن أساسي اسمه الدولة، ومؤسسات دولية تنظم العلاقات بين الدول فيما بينها، والعلاقات بين الدول والمؤسسات الدولية، في إطار نظام عالمي تحكمه جملة من القواعد والاليات في العلاقات الدولية. لم تكن ممارسة الحقوق الاقتصادية في الثروات البحرية محلّ نزاع كما هو واقع اليوم، لأنها باختصار كانت تخضع لسلطة يحكمها منطق القوة التي يمارسها كل فاعل مهيمن يمتلك الأدوات والامكانيات التي تؤهله لممارسة سياسة النهب والسيطرة والاستيلاء بكل حرية دون حسيب او رقيب. مع تطور النظام الدولي الى نظام أكثر تنظيما ومأسسة بعيدا عن الفوضى وحكم القوة “غير المنظمة”، وظهور الدولة كمكوّن أساسي في النظام الدولي والعلاقات الدولية، تشكّلت جملة من الحقوق والالتزامات على الدولة كفاعل محوري في القانون الدولي العام، وأصبح الحق الاقتصادي في الثروات البحرية جزء أساسي من الحقوق السيادية التي تمارسها الدولة في اقليمها، وهو تلك الرقعة من الأرض والبحر وطبقات الجو التي تعلوها، وتباشر الدولة سلطاتها عليه، على وجه الاستقرار والدوام، فالإقليم عنصر أساسي ومكون من مكونات الدولة بشكل عام، وهو شرط لاكتساب الدولة للشخصية القانونية حيث تقضي قواعدها توافر القدرة على التصرف في نطاق إقليم معين، يعدّ المجال البحري جزء أساسي من مكوّناته.
تمارس الدولة “الساحلية” تحديدا، الحق الاقتصادي في الثروات البحرية كحق سيادي في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة الكاملة للدولة الساحلية وهي مياهها الداخلية وبحرها الإقليمي. لكن هذا الحق السيادي أيضا هو جزء من منظومة قانونية مشتركة يمارس خارج الولاية القانونية والقضائية للدولة الوطنية نظرا لتداخله مع حقوق الدول الأخرى، وعليه، يمكن ممارسته في نطاق “سيادة مقيدة” وليست كاملة للدولة الساحلية في المناطق البحرية التي تخضع لنظام المشاركة والتقاسم للثروات خاصة في المنطقة المتاخمة للبحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري. كما يمكن ان يمارس هذا الحق في إطار المشاركة في المناطق البحرية المفتوحة كأعالي البحار وفقا لما تنظمه الاتفاقيات الدولية وقواعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. لابد من الإشارة هنا، الى أنّ الدول غير الساحلية أيضا بإمكانها التمتع بهذا الحق الاقتصادي في الثروات البحرية وفقا لمنظومة القواعد القانونية التي اقرتها اتفاقية قانون البحار الدولي والتي ساهمت بشكل كبير في تنظيم هذه الحقوق وتحديدها.
يدار هذا الحق الاقتصادي في الثروات البحرية الذي تتمتع به الدولة الساحلية من خلال منظومتين أساسيتين:
الأولى، هي منظومة قانونية داخلية تخضع للولاية القانونية والقضائية للدولة الوطنية، التي تصدر جملة من الإجراءات والقوانين الأساسية لتنظيم كيفية ممارسة هذا الحق، إضافة الى التدابير القانونية والجزائية اللازمة لحمايته وحسن استغلاله تحت إطار الدولة المالكة لهذه الحق المباشر وفقا للترتيب الجغرافي.
الثانية، هي منظومة قانونية دولية مرتبطة بجملة من القوانين والتشريعات والاتفاقيات الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة بإيعاز من الدول المهيمنة في العالم تحت إطار قواعد القانون الدولي العام ووفقا لاعتبارات النظام الدولي الاقتصادي المتعلق بإدارة البحار والمحيطات للسيطرة على الثروات البحرية.
من هذا المنطلق، يبرز الحق الاقتصادي في الثروات البحرية كحق سيادي للدولة التي تتمتع بفرصة لممارسته لحفظ ثرواتها وتطوير بنيتها الاقتصادية. لكنه أيضا حق مشترك وفقا لإجراءات واليات معينة، من الممكن ممارسته بمشاركة دول ساحلية أخرى او غير ساحلية بحكم التقارب الجغرافي. أصبح هذا الحق الاقتصادي في الثروات البحرية، محل جدل ومنازعات بين الدول ساحلية كانت او غير ساحلية، نظرا لأهميته ودوره في تطوير البنى التحتية للدول.
لقد أصبح قاع البحر، الذي تم تجاهله منذ فترة طويلة، موضع اهتمام للدول، بمجرد أن أصبحت إمكاناتها الاقتصادية متطورة وواضحة. في وقت مبكر من عام 1945، ادعت بعض الدول الحق في استغلال موارد جرفها القاري وحده (أي التربة وباطن التربة التي تنحدر من الساحل إلى الحافة القارية)؛ ومن المعترف به دوليًا منذ عام 1958 أن الدول الساحلية تمارس “حقوقًا سيادية” على هذه الهضاب، حيث أصبح الاستغلال البحري للهيدروكربونات أمرًا شائعًا. لكن الستينيات شهدت زيادة في تأثير الإنسان في قاع البحر، فلم يعد الموضوع مرتبط فقط بالوصول إلى الأعماق المحدودة للجرف القاري، ولكن أيضًا الى كل الثروات الموجودة في قاع البحر. أدى عدم وجود نظام قانوني قابل للتطبيق على هذه الأماكن المغمورة بالمياه إلى قيام الأمم المتحدة، في عام 1967، بتشكيل لجنة خاصة مسؤولة عن اقتراح قواعد جديدة، ووضعت مبدأين أساسيين لتنظيم عملها: من ناحية، ينبغي استخدام قاع البحر للأغراض السلمية فقط؛ ومن ناحية أخرى، يجب أن يتم استخدام الموارد لمصلحة الإنسانية. مكّن عمل هذه اللجنة من اعتماد وثيقتين لهما أهمية خاصة تحددان نظام قاع البحر فيما وراء الجرف القاري. فقد أبرمت معاهدة دولية في 11 فبراير 1971 على أساس مبدأ “إخلاء قاع البحار من الأسلحة النووية” : ليحظر على الدول التي ستصبح أطرافًا في هذه الاتفاقية من وضع أسلحة ذرية في قاع البحار أو المحيطات، وكذلك جميع المرافق المتعلقة بهذه الأسلحة. علاوة على ذلك، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1970 قرارًا، يُعرف باسم إعلان المبادئ التي تحكم قاع البحار والمحيطات، وكذلك باطن أرضها، خارج حدود الولاية القضائية الوطنية، والذي أكّد أن قاع البحر هو “التراث المشترك للبشرية”. وبالتالي لا يمكن للدول أو الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الاستيلاء عليها، ولا يمكن لأي دولة أن تدعي أو تمارس أي سيادة على هذه المناطق على الإطلاق. وقد سعى مؤتمر الأمم المتحدة لقانون البحار، الذي بدأ عمله في عام 1973، إلى وضع نظام لإدارة قاع البحار لتطبيق هذا المبدأ. وهكذا، كان هناك حديث عن إنشاء نوع من الحكومة العالمية المختصة على هذه المساحات البحرية، أي “سلطة”، مهمتها تحمّل مسؤولية استغلال قاع البحر لصالح جميع دول الكوكب، فكانت السلطة الدولية لقاع البحار، الناتجة عن الاتفاقية الجديدة لقانون البحار، الموقعة في مونتيغو باي في 10 ديسمبر1982، هي المتحكم من حيث المبدأ في إدارة هذه المساحات. وعند توليها مهامها في عام 1994 ومقرها الرئيسي في جامايكا، كان عليها أن تأخذ في الحسبان معارضة الدول المهيمنة والمسيطرة أي الدول الصناعية، والشركات متعددة الجنسيات التي عملت على تحجيم دورها والذهاب نحو مزيد من الوحشية في نهب الثروات البحرية للدولة وبحجج مختلفة.
من هذا المنطلق أصبح الحق الاقتصادي في الثروات البحرية، حق متنازع عليه ليس فقط من قبل الدول الساحلية التي تتمتع بالأولوية المطلقة في ممارسة هذا الحق بحكم القانون والتشريعات المختلفة، انما أيضا من قبل الدول والكيانات المهيمنة في العالم التي تعمل دوما على السيطرة على المساحات الجغرافية الواسعة، والتي تستخدم كل الإمكانات لنهب وسلب ثروات هذه الدول، ومنعها من الاستفادة بحقوقها المشروعة في ثرواتها البحرية. تمثّل النزاعات المتعلّقة بالمناطق البحريّة المتنازع عليها، اختلافات عن تلك الموجودة فوق البرّ، إذ تُعتبر المناطق البحريّة مفهومًا حديثًا (نسبيًّا) في القانون الدّولي. في حين أنّ مطالبة الدول بالبحر الإقليمي يمكن إرجاعها إلى الفترة الأولى من قانون البحار (القرنين 15 و16)، فإنّ معظم المناطق البحريّة –أي الجرف القارّي والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة- تعود إلى النصف الثاني من القرن العشرين، بحيث نشأت عن عمليّة توسيع لحقوق الدول الساحليّة التي دوّنت في مؤتمري الأمم المتحدة لعامي 1958 و1973-1982 لقانون البحار. بالتالي، تمتدّ هذه المناطق على مساحات كانت تُعتبر في السابق جزءًا من أعالي البحار ومفتوحةً لجميع الدول، كما أنّ الحقوق الحصريّة التي يمكن أن تمارسها الدولة الساحليّة لا تُنسب إليها على أساس الاحتلال-على عكس ما هو حاصل اليوم في العديد من المناطق حول العالم- إنّما كنتيجة لقرب المناطق المعتبرة من أراضيها، وعلى أساس المبدأ الراسخ “الأرض تهيمن على البحر”. في جميع نزاعات ترسيم الحدود البحريّة تقريبًا، يُطلب من الأطراف تعيين منطقة غير محددة سابقًا، حيث تتداخل مطالباتهم، وبما أنّ معظم الحدود البحريّة لا تزال قيد التسوية، يمكن القول بأنّ نزاعات الحدود البحريّة هي القاعدة في البحر.
من هنا تثار الإشكاليات التالية: كيف أصبح الحق الاقتصادي في الثروات البحرية محل نزاع -في الوقت الذي تعتبره القوانين الوطنية والدولية، حقا سياديا كاملا او حصريا للدولة الساحلية- بين منطق استخدام القوة وكل وسائل الضغط السياسي والدبلوماسي والعسكري للاستيلاء عليه لنهب الثروات من قبل الدول المهيمنة والمسيطرة عالميا، وبين منطق حرمان الدول الساحلية ذات الأولوية، من ممارسة هذا الحق المكتسب بحكم الجغرافيا. كيف تحددّ حقوق وواجبات الدولة الساحلية في ثرواتها البحرية؟ ارتباطا بالصراع مع الكيان المؤقت الذي يحتل الأرض والبحر في فلسطين وعلى الحدود اللبنانية، ويعمل على نهب وسلب هذا الحق من أصحابه الاصليين، هل للبنان حقا اقتصاديا في ثرواته البحرية في المنطقة المتنازع عليها؟ ما هي الاليات والتدابير اللازمة لحماية هذا الحق داخليا وخارجيا؟
للإجابة على هذه الإشكاليات المطروحة في هذه الورقة، سنعتمد على الإجابة بالطريقة التالية:
طرح القوانين والاليات والاتفاقيات اللازمة التي تثبّت، وتنظّم الحق الاقتصادي في الثروات البحرية المعترف به دوليا (أولا)، ثم واقع النزاع البحري بين لبنان والكيان المؤقت المحتل حول الحقوق المشروعة في الثروات البحرية(ثانيًا)، إضافة الى الحلول الممكنة والاستنتاجات العامة المتعلقة بهذا الملف(ثالثًا).
أوّلًا: القوانين والاجراءات والاتفاقيات اللازمة التي تثبّت الحق الاقتصادي في الثروات البحرية المعترف به دوليا
نستعرض في هذا الجزء الأول، القوانين والاليات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق البحرية وواجبات الدول والتي نظمتها اتفاقية قانون البحار لعام 1982، والاتفاقية المنفذة في 1994 وقواعد القانون الدولي العام (1)، ثم النصوص القانونية اللبنانية المتعلقة بالحقوق اللبنانية البحرية (2).
القوانين والاتفاقيات الدولية:
بالنظر الى التاريخ المشحون لمنطقة الشرق الأوسط والاطر القانونية المرحلية، تبدو المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية الكامنة وراء النزاعات القانونية في تزايد ملحوظ، وعليه، لابد من التأكيد في كل مرحلة من مراحل المواجهة على ضرورة تثبيت الحقوق الاقتصادية البحرية خاصة للدول التي تعاني من الهيمنة والسيطرة الخارجية على خياراتها وسياساتها، في ظلّ وجود قوى تعمل على انتهاك حقوقها المشروعة في ثرواتها في البر، وفي قاع البحر. أهمية القانون الدولي للبحار تكمن في أنّه من القوانين الهامة في يومنا الحاضر التي تحاول رسم الحقوق الاقتصادية البحرية وتحديدها، ويشتمل على المحيطات جميعها في شتى دول العالم؛ الساحلية منها وغير الساحلية، حيث تعتبر البحار المصدر الرئيسي للثروة البشرية. يعرف قانون البحار الدولي بأنه مجموعة القوانين الدولية التي تتضمن الأنظمة والأسس التنظيمية الخاصة بالدول، والتي ترتبط بالشؤون البحرية، وما يندرج أسفلها من حقوق للملاحة، وحقوق الموارد البحرية، بالإضافة إلى سلطة المياه الساحلية. كما يعد قانون البحار جزءًا من القانون الدولي العام، كما يضمن شمول كافة أنواع الاتصالات البحرية الخاصة، وتعد اتفاقية الأمم المتحدة والتي تمت في عام 1982، ترجمة للقانون البحري الدولي العرفي، فقد تم تفعيلها عام 1994 ليتم العمل بها. تعتبر البحار في القانون الدولي شريط أو مساحة كبيرة من مساحة المحيط الذي تحيط بجوانبه اليابسة بشكل كامل أو جزئي، ويدل تعريفه في القانون الدولي إلى كامل المساحة المائية المالحة المتصلة اتصالاً مباشرًا بشكل حر وطبيعي. وفقا للأمم المتحدة، ساهمت اتفاقية قانون البحار في حل عدد كبير من القضايا الهامة المتعلقة باستخدام المحيطات والسيادة عليها، ومنها:
_ تأسيس حقوق حرية الملاحة.
_ تعيين الحدود البحرية الإقليمية 12 ميلا بحريا من الشاطئ.
_ تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة إلى 200 ميلا بحريا من الشاطئ.
_ تعيين قواعد لتوسيع نطاق حقوق الجرف القاري والتي تصل إلى 350 ميلا بحريا من الشاطئ.
_ إنشاء سلطة دولية لقاع البحار.
_ وضع آليات أخرى لحل النزاعات (على سبيل المثال، لجنة الأمم المتحدة لحدود الجرف القاري).
من المفهوم على نطاق واسع أنّ القانون البحري الدولي يستند الى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والاتفاقية المتعلقة بتطبيق الجزء الحادي عشر لعام 1994. في شرق البحر الأبيض المتوسط، لم توقع بعض الدول على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أو تصبح طرفا فيها والامر سيان بالنسبة للولايات المتحدة، رغم انها وقعت على اتفاقية عام1994، كذلك الكيان المؤقت الذي لم يوقع ولا يصادق على الاتفاقيات الدولية لقانون البحار. ووفقا لبعض فقهاء القانون الدولي، تنص “اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” على مجموعة من القواعد العرفية التي وقع جمعها وتقنينها لتصبح قواعد قانونية ثابتة، وبالتالي فهي أيضا ذات صلة بالدول والجهات التي ليست طرفا فيها ولا تعترف بها مثل الكيان الصهيوني المؤقت. أمّا فيما يتعلق بترسيم حدود المناطق البحرية، فان اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار” تميز بين البحار الإقليمية (ما يصل الى 12 ميل بحري من خطوط الأساس للدولة الساحلية، والتي تعرف بانها خطوط المياه المنخفضة على طول الساحل)، والمناطق الاقتصادية الخالصة (ما يصل الى 200 ميل بحري من خطوط الأساس)، والجرف القاري (محدد من الناحية الجيولوجية ويمتد الى ما يتخطى 200 ميل بحري.)
دول البحر الأبيض المتوسط واتفاقيات قانون البحار الدولي:
بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تتمتع الدولة الساحلية بسيادة كاملة على بحرها الإقليمي باستثناء المرور البريء للسفن عبر مياهها الاقليمية، ولكن الحقوق السيادية على المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري مقيّدة بحكم انها تخضع لمبدأ المشاركة مع الدول الساحلية المجاورة، وتتعلق باستكشاف الموارد الطبيعية واستغلالها، وبالتالي فهي ذات طبيعة اقتصادية، وتبدو سيادة الدولة الساحلية على هذه المناطق، سيادة مقيدة. وفي حال رفع مطالبات من قبل دول ساحلية متقابلة او متجاورة للاستفادة من هذه الحقوق، تنص الاتفاقية على انه يجب رسم حدود هذه المناطق بالاتفاق من اجل تحقيق حل عادل وفقا للمادتين 74/1، و83/ 1من اتفاقية قانون البحار 1982.
تطرق الجزء الخامس من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 للقواعد القانونية التي تحكم وتنظم المنطقة الاقتصادية الخالصة. وعليه، فعرض المنطقة يكون بطرح عرض البحر الإقليمي من هذه المسافة، وفي حالة الدول المتلاصقة او المتقابلة يتم تعيين الحدود فيها عن طريق اتفاقيات خاصة تحدّد مدى اتساع المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منها. عبر اليات حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. الملاحظ أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 أعطت لهذه المنطقة وضعا قانونيا خاصا، يختلف كليا عن باقي المناطق البحرية الأخرى من خلال المادة 55 من الاتفاقية التي نصت على ان ” المنطقة الاقتصادية الخالصة هي منطقة واقعة وراء البحر الاقليمي وملاصقة له، يحكمها النظام القانوني المميز والمقرر في هذا الجزء وبموجبه تخضع حقوق الدولة الساحلية وولايتها، وحقوق الدول الأخرى وحرياتها للأحكام ذات الصلة بهذه الاتفاقية”.
المواد 55 و56 و57 و58، و59 و60 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المتعلقة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة: لا تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة لأكثر من 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي. للدولة الساحلية في المنطقة الاقتصادية الخالصة:
1/ حقوق سيادية لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية، للمياه التي تعلو قاع البحر ولقاع البحر وباطن ارضه، وحق هذه الموارد وادارتها، وكذلك فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف والاستغلال الاقتصاديين للمنطقة كإنتاج الطاقة من المياه والتيارات والرياح.
2/ الحق في إقامة واستعمال الجزر الاصطناعية والمنشئات والتركيبات.
3/ البحث العلمي البحري.
4/ حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.
لمادة 73 من الاتفاقية المتعلقة بتنفيذ قوانين وأنظمة الدولة الساحلية في ممارسة حقوقها السيادية في استكشاف واستغلال وحفظ وإدارة الموارد الحية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
المادة 121 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المتعلقة بنظام الجزر، والتي تنص على أنّ _ الجزيرة هي رقعة من الأرض متكونة طبيعيا، ومحاطة بالماء، وتعلو عليه في حالة المد. _ باستثناء ما هو منصوص عليه في الفقرة 3، يحدد البحر الإقليمي للجزيرة ومنطقتها المتاخمة ومنطقتها الاقتصادية الخالصة وجرفها القاري وفقا لأحكام هذه الاتفاقية المنطبقة على الأقاليم البرية الأخرى.
_ ليس للصخور التي لا تهيئ استمرار السكني للبشرية أو استمرار حياة اقتصادية خاصة بها، منطقة اقتصادية خالصة أو جرف قاري.
-المادة 74/2 المتعلقة بتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة. والمادة 83/2من اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار، المتعلقة بتعيين حدود الجرف القاري بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة. تنص الفقرتين في المادتين على أنه” والتي تنص على أنه ” إذا تعذر التوصل إلى اتفاق في غضون فترة معقولة من الزمن، لجأت الدول المعنية إلى الإجراءات المنصوص عليها في الجزء الخامس عشر”. ويعتني هذا الجزء بتسوية المنازعات بين الدول حول الحقوق الاقتصادية في قاع البحر.
القوانين والاجراءات القانونية اللبنانية:
لابد من الإشارة الى أنّ لبنان هو دولة ساحلية تتمتع بحقوقها وواجباتها الكاملة على بحرها الإقليمي وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وفقا للمادة 2 من الاتفاقية تمتد سيادة لبنان خارج اقليميها البري ومياهها الداخلية الى حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي. ووفقا للفقرة 2/2 تمتد سيادة الدولة اللبنانية الى الحيّز الجوي فوق البحر الإقليمي، وكذلك الى قاعه وباطن ارضه. وتمارس هذه السيادة وفقا لأحكام هذه الاتفاقية والقانون الدولي العام. لكن قبل البحث في القوانين اللبنانية لا بد من الاشارة الى انه من المعروف ان البحر يُقسّم إلى قسمين أساسيين هما البحر الإقليمي التابع للدول الساحلية ويخضع لسيادتها المطلقة، وأعالي البحار التي لا تخضع لأي سيادة. واعتبر فقهاء القانون الدولي بأن الحقوق البحرية تكمل السيادة الإقليمية التي تتمتع بها الدول، إلا أن التطور الاقتصادي والملاحي ونظراً إلى ما يوجد في البحار من ثروات مختلفة تحتاج إليها المجتمعات أضاف على تقسيم البحار حكماً وعلى مرّ السنوات مناطق بحرية متفرّقة، وهي المنطقة المتاخمة، الجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة.
جميع هذه المناطق البحرية بحاجة إلى تحديد عبر الترسيم وذلك انطلاقاً من خط أساس، وما تجدر الإشارة إليه أن الصلاحيات التي تمارسها الدول في هذه المناطق ليست متطابقة وليست جميعها صلاحيات سيادية بل قد تكون اقتصادية أو جمركية. وفيما خصّ تحديد الحدود البحرية وفقاً للقوانين اللبنانية:
_ ينص الدستور اللبناني صراحة في مادته الثانية على أنه لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنها. وتعتبر المناطق البحرية من الاراضي اللبنانية التي يجب حمايتها والاهتمام بها.
_ في العام 1983 بموجب المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي رقم 138/83 حدّد لبنان عرض البحر الإقليمي اللبناني بـ 12 ميلاً بحرياً من الشاطئ اللبناني، بدءاً من أدنى مستوى من الجزر، مع مراعاة أحكام الاتفاقات الدولية التي صادق عليها لبنان.
_ في العام 1995 وبموجب القانون 295 انضم لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار “مونتيغوباي التي أقرّت في العام 1982. أهمية هذه الاتفاقية أنها أنشأت منطقة بحرية سُمّيت بالمنطقة الاقتصادية الخالصة تمتدّ إلى 200 ميل بحري من خط الأساس. وكما أسلفنا، في حين تمارس الدولة اللبنانية سيادة كاملة على بحرها الاقليمي، يعترف لها بحقوق سيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
_ تطبيقًا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار صدر بتاريخ17/8/2011 القانون رقم 163 (قانون تحديد واعلان المناطق البحرية للجمهورية اللبنانية) . تنص المواد المدرجة في هذا القانون على جملة من الحقوق الاقتصادية البحرية المشروعة للبنان وهي:
1/ تحديد المناطق البحرية اللبنانية: تُحدّد الجمهورية اللبنانية مياهها الداخلية وبحرها الاقليمي والمنطقة المتاخمة والمنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري تطبيقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المعتمدة في مونتيغوباي (جمايكا) بتاريخ 10 كانون الأول 1982، والتي انضمت اليها الجمهورية اللبنانية بموجب القانون رقم 295 تاريخ 22/2/1994 والتي دخلت حيز التنفيذ في 5/1/1995.
2/ خط الأساس: خط الأساس للساحل اللبناني هو الخط الذي يبدأ منه قياس عرض المناطق البحرية. يُحدّد خط الأساس للجمهورية اللبنانية باعتماد حدّ أدنى الجَزْر والخطوط المستقيمة التي تصل بين نقاط أساس مناسبة بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي، اعتبارا من منتصف مصب النهر الكبير شمالا وصولا الى نقطة انطلاق خط الهدنة موضوع اتفاقية الهدنة لعام 1949 جنوبا. إن خط الأساس اللبناني قابل للتعديل نتيجة التنامي الالتحامي لليابسة أو التآكل الذي قد يتعرض له الشاطئ اللبناني.
3/ المياه الداخلية: تُشكل المياه الواقعة على الجانب المواجه للبرّ من خط الأساس جزءا من المياه الداخلية للجمهورية اللبنانية.
4/ البحر الإقليمي:
_ يُحدّد عرض البحر الاقليمي للجمهورية اللبنانية بمسافة 12 ميلا بحريا مقيسة من خط الأساس، ويكون حدّه الخارجي الخط الذي تبعد كل نقطة عليه عن أقرب نقطة على خط الأساس مسافة مساوية لعرض البحر الإقليمي.
_ تمتد السيادة اللبنانية الى البحر الاقليمي والحيز الجوي الذي يعلوه وقاعه وباطن أرضه مع احترام أحكام القانون الدولي.
5/ المنطقة المتاخمة:
_ تقع المنطقة المتاخمة وراء البحر الاقليمي وتلاصقه وتمتد أربعة وعشرين ميلا بحريا مقيسة من خط الأساس.
_ تُمارس سلطات الجمهورية اللبنانية في المنطقة المتاخمة الصلاحيات اللازمة من أجل منع خرق قوانينها وأنظمتها الخاصة بالأمن والجمرك والصحة والمالية والهجرة والبيئة سواء في إقليمها أم في بحرها الاقليمي. وتنفيذ العقوبات المترتبة على خرق القوانين والأنظمة الآنفة الذكر، سواء وقع الخرق في اقليمها أم في بحرها الاقليمي.
6/ المنطقة الاقتصادية الخالصة: تُحدّد المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية اللبنانية، وتقاس من خط الأساس وتمتد الى أقصى الحدود المتاحة على ألا تتعدى مسافة 200 ميل بحري وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ولسائر قواعد القانون الدولي ذات الصلة، وتمتد غربا لتكون حدودها الدنيا في البحر:
_ من الناحية الشمالية الغربية: النقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية وجمهورية قبرص.
_ من الناحية الجنوبية الغربية: النقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من الجمهورية اللبنانية وجمهورية قبرص وفلسطين المحتلة.
7/ حقوق الجمهورية اللبنانية وولايتها وواجباتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة: تُمارس الجمهورية اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة:
_ حقوق سيادية لغرض استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية، الحية منها وغير الحية، للمياه التي تعلو قاع البحار ولقاع البحر وباطن أرضه، وحفظ هذه الموارد وإدارتها، وكذلك فيما يتعلق بالأنشطة الأخرى للاستكشاف والاستغلال الاقتصاديين للمنطقة، كإنتاج الطاقة من المياه والتيارات والرياح.
_ ولاية على الوجه المنصوص عليه في الأحكام ذات الصلة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار فيما يتعلق بما يلي:
أ / إقامة واستعمال الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات.
ب/ البحث العلمي البحري.
ج/ حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها.
_ الحقوق والواجبات الأخرى المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وغيرها من الاتفاقيات وقواعد القانون الدولي.
تمارس هذه الحقوق والصلاحيات وفقا للشروط المنصوص عليها في هذا القانون ونصوصه التطبيقية.
تولي الجمهورية اللبنانية، في ممارستها لحقوقها وأدائها لواجباتها في المنطقة الاقتصادية الخالصة، المراعاة الواجبة لحقوق الدول الاخرى وواجباتها. كما تُمارس الحقوق المبينة في هذه المادة فيما يتعلق بقاع البحر وباطن ارضه وفقا للمواد المتعلقة بالجرف القاري.
8/ الجرف القاري: يشمل الجرف القاري للجمهورية اللبنانية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد الى ما وراء البحر الاقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم الجمهورية اللبنانية البري حتى مسافة 200 ميلا بحريا من خط الأساس، بما يتوافق مع أحكام القانون الدولي.
9/ حقوق الجمهورية اللبنانية على الجرف القاري:
_ تُمارس الجمهورية اللبنانية على جرفها القاري حقوقا سيادية لأغراض استكشافه واستغلال موارده الطبيعية من الموارد المعدنية والبترولية وغيرها من الموارد غير الحية لقاع البحار وباطن أرضها وبالإضافة الى الكائنات الحية التي تنتمي الى الأنواع الآبدة، أي الكائنات التي تكون، في المرحلة التي يمكن جنيها فيها، إما غير متحركة وموجودة على قاع البحر أو تحته، أو غير قادرة على الحركة الا وهي على اتصال مادي دائم بقاع البحر أو باطن أرضه.
_ تُمارس الجمهورية اللبنانية حقها في استغلال باطن أرض الجرف القاري عن طريق حفر الأنفاق أيا كان ارتفاع الماء فوق باطن الأرض، ويكون لها الحق الحصري الخالص في الإذن بالحفر في الجرف القاري وتنظيم هذا الحفر لكافة الأغراض.
_ إن حقوق السيادة الاقتصادية على الجرف القاري المذكورة في المادة السابقة هي حقوق حصرية للجمهورية اللبنانية، وهي مستقلة عن الإشغال الفعلي أو النظري أو عن واجب الاعلان الصريح لهذا الاشغال، وإذا لم تقم الجمهورية اللبنانية باستكشاف الجرف القاري واستغلال موارده الطبيعية، فلا يمكن لأي كان ممارسة مثل هذه النشاطات دون موافقة السلطات اللبنانية المختصة.
10/ الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري:
_ يُراعى حق جميع الدول وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري وفقا لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وقواعد القانون الدولي.
_ تتخذ الجمهورية اللبنانية تدابير معقولة، لاستكشاف الجرف القاري واستغلال موارده الطبيعية، ومنع التلوث من خطوط الأنابيب وخفضه والسيطرة عليه، وتنظيم وضع أو صيانة الكابلات وخطوط الانابيب.
_ يخضع تعيين المسار لوضع خطوط الأنابيب هذه على الجرف القاري لموافقة الجمهورية اللبنانية.
_ تضع الجمهورية اللبنانية شروطا للكابلات وخطوط الأنابيب التي تدخل في اقليمها البري أو بحرها الاقليمي، أو ما يمس ولايتها على الكابلات وخطوط الأنابيب التي يتم وضعها أو استخدامها بصدد استكشاف جرفها القاري أو استغلال مواردها، أو تشغيل ما يقع تحت ولايتها من الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات.
_ عند وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة، تتم المراعاة الواجبة للكابلات أو خطوط الأنابيب الموضوعة من قبل. وينبغي بوجه خاص عدم الاضرار بإمكانيات تصليح الكابلات أو خطوط الأنابيب الموجودة فعلا.
11/ الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفي الجرف القاري:
تقيم الجمهورية اللبنانية في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفي الجرف القاري دون غيرها، وتُجيز تنظيم إقامة وتشغيل واستخدام:
_ الجزر الاصطناعية.
_ المنشآت والتركيبات المستخدمة في الأغراض المنصوص عليها في المادة 7 من هذا القانون وفي غير ذلك من الأغراض الاقتصادية.
_ المنشآت والتركيبات التي قد تعوق ممارستها لحقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة أو في الجرف القاري.
للجمهورية اللبنانية الولاية الحصرية الخالصة على هذه الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، بما في ذلك الولاية المتعلقة بالقوانين والأنظمة الجمركية والضريبية والصحية والبيئية وقوانين وأنظمة السلامة والهجرة.
في 2011، صدر مرسوم تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية برقم 6433، في مادته الأولى عرّف المنطقة الاقتصادية الخالصة على أنها المنطقة التي “تقع وراء البحر الاقليمي وتشمل كامل المنطقة المتاخمة وتمتد باتجاه أعالي البحار مقوسة من خط الأساس استنادًا إلى أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار”.
ثانيًا: واقع النزاع البحري بين لبنان والكيان المؤقت حول الحقوق المشروعة في الثروات البحرية
نظرا الى الطبيعة القارية في الغالب لشرق المتوسط، شعرت العديد من الدول الساحلية ومن ضمنها لبنان بضرورة ابرام اتفاقيات مختلفة على مدى العقدين الماضيين من اجل ترسيم حدود” مناطقها الاقتصادية الخالصة”، وجرفها القاري. وقعت قبرص مع لبنان اتفاقا بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة في 2007، وأرسلت بيروت بشكل احادي لوائح احداثيات منطقتها الاقتصادية الخالصة الى الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2010، التي جرى تعديلها عام 2011.
يمكن التمييز بين نوعين من النزاعات تندرج تحت العنوان العام للنزاعات البحريّة. النوع الأوّل يتعلّق مباشرةً برسم الحدود بين المناطق البحريّة التي تطالب بها الدول المجاورة. في حين أنّه من الصحيح، كما أكّدت محكمة العدل الدوليّة، أنّ ترسيم الحدود “هي عمليّة تنطوي على تحديد حدود منطقة ما تتواجد بالفعل، من حيث المبدأ، تخصّ الدولة الساحليّة وليس تحديد هذه المنطقة من جديد” وعلى الرّغم من مجموعة المبادئ والقواعد المتعلّقة بتحديد الحدود البحريّة، في الغالب من خلال قرارات المحاكم الدوليّة، هناك هامش تقدير (للقاضي أو للأطراف) فيما يتعلّق بخط الحدود النهائي”. أمّا الفئة الثانية من النزاعات تتعلّق باستحقاق المناطق البحريّة. تُعتبر النزاعات المتعلّقة بحق الجزر، كالجزر الصغيرة والصخور في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة والجرف القارّي، ذات أهميّة خاصّة في ضوء متطلّبات أحكام المادة 121 من اتفاقيّة الأمم المتحدة لقانون البحار، مصحوبةً أحيانًا بنزاع حول ملكيّة الجزيرة. في هذه الحالة، لا يتعلّق النزاع بالمدى الدقيق للمنطقة البحريّة التي تطالب بها دولة ما، بل يتعلّق بإمكانيّة المطالبة نفسها للمنطقة المعنيّة. علاوة على ذلك، لا ينبغي المبالغة في الاختلاف بين النزاعات المتعلّقة بتحديد الحدود البحريّة والنزاعات المتعلّقة باستحقاق المناطق البحريّة، حيث يتم التعامل مع الاثنين في كثير من الأحيان معا ضمن الحل الشامل النهائي.
بالنسبة إلى الحدود البحريّة اللبنانيّة، من أهم الخطوات التي اتخذت بشأن مسألة ترسيم حدوده البحريّة تحديد المناطق البحريّة والإعلان عنها بموجب القانون رقم 163/2011، لا سيّما المياه البحريّة التي تمارس عليها الدولة حقوقًا سياديّة بهدف استكشاف ثرواتها الطبيعيّة واستغلالها، ألا وهي المنطقة الاقتصاديّة الخالصة، بموجب المرسوم رقم 6433/2011، إضافةً إلى المرسوم رقم 42/2017 الذي قسّم بدوره المياه البحريّة اللبنانيّة إلى مناطق على شكل رُقع (Blocks)، سيّما الرقعة 8 جنوبًا آخذًا النقطة (23) أساسًا في ترسيم حدوده البحريّة الجنوبيّة والرّقعتين 1 و2 شمالًا آخذًا النقطة (7) أساسًا في ترسيم حدوده البحريّة الشماليّة. يواجه لبنان العديد من مشاكل ترسيم حدود مياهه البحريّة لمنطقته الاقتصاديّة الخالصة سيّما الجنوبيّة منها علاوة على الشماليّة أيضًا. علاوة على ذلك، في الحالة التي لا تستطيع الدول الحصول على المدى الأقصى لمنطقتها الاقتصاديّة الخالصة، تشير المادتين 74.1 و83.1 من اتفاقيّة قانون البحار إلى تحديد المنطقة الاقتصاديّة الخالصة والجرف القارّي على أساس أحكام القانون الدّولي كما أشير إليه وفق المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدوليّة من أجل التوصّل لحلٍّ منصف، وإذا تعذّر الاتفاق يتم اللجوء إلى أساليب التسوية المنصوص عليها في الجزء الخامس عشر من الاتفاقيّة.
ظهر الاشكال هنا مع الكيان المؤقت، هذا الكيان المحتل لأرض وبحر فلسطين، وعليه لابد من التأكيد- قبل الخوض في هذا الاشكال- انّ الحقوق البحرية الموجودة في بحر فلسطين هي حقوق مسلوبة من قبل الكيان الصهيوني المحتل. عمل الكيان المؤقت على تفعيل نفوذه البحري من خلال التوقيع مع قبرص على اتفاق لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بهما في كانون الأول/ديسمبر 2010، بعد ان أصبح الامتداد الكبير لاحتياطيات الغاز بين قبرص والمياه الفلسطينية المحتلة واضحا بحسب الخبراء. كما لم يكتفي الكيان المؤقت بالخروقات البرية التي قضم من خلالها مساحات واسعة من الأراضي اللبنانية، بل وسّع اعتداءاته الى البحر، ومارس اطماعه في المياه الإقليمية اللبنانية وفي المياه الاقتصادية الخالصة حيث قضم مساحات واسعة من الحقوق اللبنانية من دون أي مسوّغ قانوني، مستندا بذلك على منطق القوة ومنتهكا بذلك كل القوانين الدولية. من خلال هذا الواقع يمكن اعتبار لبنان دولة ساحلية متضررة جغرافيا بسبب ما يمكن اعتباره انتهاك للحقوق اللبنانية في مياهها وتعدي واضح على سيادتها وفقا لما اقرته اتفاقية قانون البحار لعام 1982. اعتراف قوات اليونيفل بالأمم المتحدة بان الخط الذي رسمه العدو هو خط غير شرعي وهو ليس خط حدود، يؤكد صفة الانتهاك والاعتداء على سيادة الدولة ومياهها الإقليمية. للتذكير، ووفقا لاتفاقية قانون البحار لعام 1982، من حق كل دولة ممارسة سيادتها على مجالها الإقليمي البحري، ابتداء من الأعمال الشرطية، وتحديد المراسم البحرية التي يجب على السفن البحرية اتباعها، وتنظيم الملاحة والتجارة داخلها. وتمتد السيادة إلى قاع البحر، حيث بإمكان الدولة الاستفادة مما يضمه قاع البحر واستغلاله. وقد نصت اتفاقية 1982 على أن سيادة الدولة تمتد إلى “النطاق الجوي الذي يعلو البحر الإقليمي وكذا قاع هذا البحر وما تحته من طبقات”.
خسارة لبنان مساحة 860 كلم من منطقته الاقتصادية الخالصة نتيجة خطأ أمكن تداركه، لا تنفي الحقوق اللبنانية:
بتاريخ 10/11 تشرين الأول من العام 2006، عقد اجتماعان بين الفريقين، تم خلالهما التفاوض بشأن ترسيم خط حدود بحري يشكل الفاصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية والمنطقة القبرصية. وتوصل الفريقان الى تحديد خط وسطي يبدأ من النقطة (1) جنوبا ليصل الى النقطة (2) شمالا. بدل ان تكون النقطة رقم (1) من الخط الحدودي بين لبنان وقبرص تتطابق مع النقطة الحدودية بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة والتي سميت لاحقا النقطة (23)، فقد تم اختيار النقطة رقم (1) على مسافة 17162 مترا شمالي النقطة (23)، واعتمد نفس المبدأ بالنسبة الى النقطة رقم (6) مع سوريا، على اعتبار ان هاتين النقطتين تناقشان لاحقا مع الدول المعنية.
بتاريخ 17/1/2007 وقع الفريقين اللبناني والقبرصي اتفاقية حول ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة باعتماد الخط الذي تمّ التوصّل اليه بين النقطتين (1) و(6) في الاتفاقية، بل تمّت الاستعاضة عنها بشرط وضع في المادة الثالثة من الاتفاقية حيث نصّت على ما يلي: ” إذا دخل أي من الطرفين بمفاوضات حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة ثالثة، فان هذا الطرف، قبل التوصل الى اتفاق نهائي مع هذه الدولة، سوف يتشاور مع الطرف الاخر إذا كان هذا الترسيم يتعلق بإحداثيات النقطتين (1) أو (6)”.
بموجب القرار رقم 107/2008 تاريخ 30.12.2008 تم تشكيل لجنة مشتركة لوضع تقرير مفصل حول الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وحددت اللجنة حدود هذه المنطقة:
من الغرب (23-24-1-2-3-4-5-6-7)،
من الشمال (7-8-9-10-11-12-13-14-15-16-17)
من الجنوب (18-19-20-21-22-23).
أي ان النقطة 23 هي النقطة الثلاثية المشتركة من الجنوب والنقطة (7) هي النقطة الثلاثية المشتركة من الشمال.
أهم ما جاء في التقرير” انه تم تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهة الجنوبية والجهة الشمالية للبنان بحيث تكون هذه الحدود بمثابة خط المنتصف الذي تكون كل نقطة على امتداده متساوية الابعاد من أقرب نقطة على خط الأساس للبنان والدول المجاورة”. عند تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان وقبرص تم الابتعاد بالخط الوسطي عن الحدود الجنوبية والحدود الشمالية بحدود خمسة اميال بحرية كي لا يتأثر عند تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهة الجنوبية والجهة الشمالية. المفارقة هنا ان الحكومة اللبنانية وقعت اتفاقية مع قبرص بتاريخ 17 كانون الثاني 2007 وبعدها قامت بتعيين لجنة لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بتاريخ 30 كانون الأول 2008، وطرح السؤال هنا هل كان من الصعب تشكيل هذه اللجنة وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة قبل الدخول في مفاوضات مع قبرص وتوقيع اتفاقية معها؟ كيف تم القبول بتوقيع اتفاقية حول الحدود البحرية قبل ان يتم تحديد هذه الحدود بدقة والتوافق حولها لبنانيا؟
بتاريخ 14/7/2010 رفع لبنان كتابا الى الأمين العام للأمم المتحدة أودع بموجبه احداثيات الحدود اللبنانية الجنوبية وأرفق بالكتاب تقريرا أعدّته مديرية النقل البري والبحري في وزارة الاشغال العامة والنقل حول الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة. اهمّ ما جاء في التقرير:” تم تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهة الجنوبية للبنان بحيث تكون هذه الحدود بمثابة خط المنتصف الذي تكون كلّ نقطة على طول امتداده متساوية الابعاد من أقرب نقطة على خط الأساس للبنان وللدولة المجاورة”.
بتاريخ 19/10/2010 وجهت وزارة الخارجية القبرصية مذكرة الى السفارة اللبنانية في قبرص تذكر فيها ان اية مفاوضات ستقوم بها قبرص مع دولة ثالثة حول ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة، ستكون مستندة الى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وأكدت انه استنادا للمادة الثالثة من الاتفاقية بين لبنان وقبرص حول المنطقة الاقتصادية الخالصة، ستقوم الدولة القبرصية بإبلاغ الدولة اللبنانية قبل التوصل الى اية اتفاقية حول المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، اذا كانت احداثيات النقطتين (1)و(6) المتوافق عليهما بين لبنان وقبرص، ستتأثر باي شكل من الاشكال، ودعت لبنان للإسراع في تصديق الاتفاقية”.
بتاريخ 17/12/2010 وقعت قبرص اتفاقية مع الكيان المؤقت حول حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولتين، ورسما الخط الفاصل بينهما اعتبارا من النقطة (1) شمالا وصولا الى النقطة (12) جنوبا. هنا لم تحترم قبرص المراجعة التي قام بها الفريقان اللبناني والقبرصي للنقطة (1) ولم تناقش هذه النقطة مع لبنان قبل توقيع الاتفاقية مع الكيان. ومن اجل محاولة اظهار حسن النية، ذكرت في المادة الأولى من الاتفاقية ما يلي:” ان احداثيات النقطتين (1) و(12) يمكن إعادة النظر بها و/أو يمكن تعديلها عند الضرورة في ضوء اتفاق مستقبلي يتم التوصل اليه مع دولة ثالثة حول ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة.
اٍنّ استغلال الكيان المؤقت للخطأ الذي وقعت فيه اللجنة اللبنانية، لا يعطيه حق وفقا للتشريعات الدولية بفرض منطقة بحرية خلافية بين النقطتين (1) و(23) مساحتها حوالي 860 كيلومتر مربع. واعتبارا الى أنّ ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق البحرية التي تدخل في سيادة الدولة الساحلية هو من حق الدولة وحدها، طالما ان ذلك لا يتعارض مع القوانين والتشريعات الدولية، فمن حق لبنان مراجعة الخطأ وتصحيحه وفقا للمعطيات الجديدة. إضافة الى أنّ وبالرجوع الى المكاتبات التي رفعتها وزارة الخارجية اللبنانية الى الأمم المتحدة للاعتراض على الاتفاقية الموقعة بين قبرص والكيان المؤقت حول تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة كونها تطال نقاطا تقع شمال خط الحدود البحرية الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية المحدد بين النقطة (1) والنقطة (23)، تأكد من جديد أنّ الخطأ يمكن تداركه في ترتيبات عملية مؤقتة وفقا للميثاق والقانون الدولي، مع مراعاة موقف الأطراف بشأن ترسيم الحدود البحرية. كما انّ عدم الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الأطراف المعنية بما فيها لبنان، لا يمنعها من ممارسة حقها في استكشاف واستغلال مواردها البحرية في مناطق واسعة من مناطقها البحرية التي ليست موضع نزاع.
بناء لطلب الحكومة اللبنانية، اعدّ الخبير في قانون البحار في مكتب الهيدروغرافيا البريطاني UKHO السيد جون براون تقريرا حول الحدود البحرية الجنوبية قدمه بتاريخ 17 اب 2011. اهم ما جاء في التقرير: في الفقرة27 أنّ “الخيارات لجهة الجنوب معقدة كون لبنان أودع الخط الحدودي الجنوبي لدى الأمم المتحدة. الخيارات المتوفرة هي:
_ عدم اجراء تعديل على الاحداثيات التي حددتها اللجنة الخاصة (اللجنة اللبنانية المشتركة).
_ استعمال متغيّر اخر للخط الوسطي بتخفيض تأثير الجزر.
_ حساب خط اخر باستخدام الخط العامودي على الاتجاه العام للشاطئ كبديل هندسي قابل للتطبيق على الأرض كون الخط المتساوي الابعاد غير ملائم بسبب الظروف الجغرافية الخاصة.
أما الفقرة 28 فقد اشارت الى أنّ” القرار بتحديد أي خيار سيتم اتخاذه يعود للحكومة اللبنانية. قد تكون الفرصة مناسبة لإعادة النظر بإحداثيات الحدود الجنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة على ضوء دراسة أحدث لتصحيح بعض الأخطاء التقنية في الحسابات السابقة. ان اختيار الطريقة المتبعة لتحديد الحدود الجنوبية محدود بين خيارين (ب) و(ج). وكان من الممكن اجراء نقاشات تقنية لدعم هذين الخيارين.” ثم اتى القانون رقم 163 ليحدد المناطق البحرية اللبنانية، حيث أشار في مادته 6 الى أنّ “حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهة الجنوبية الغربية بالنقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة”.
بتاريخ 3/9/2011 وجهت وزارة الخارجية رسالة ثانية للأمم المتحدة اعترضت فيه على الاحداثيات الجغرافية التي اودعها الكيان المؤقت للأمم المتحدة بتاريخ 12/7/2011 عبر بعثته الدائمة في نيويورك، وتمني عليه تكليف من يلزم لرسم خط متناسب مع الحدود البحرية اللبنانية على غرار الخط الأزرق البري وتكليف اليونيفيل بمراقبة هذا الخط. جدد الأمين عام موقفه بالقول” بأنّ الاختلاف حول ترسيم الحدود البحرية بين الأطراف المعنية ومن بينها لبنان يجب ان لا يمنعها من ممارسة حقوقها في استكشاف واستغلال الموارد البحرية في مناطق واسعة من مناطقها البحرية التي ليست موضوع اعتراض”.
-تنفيذا للقانون رقم 163 أصدر المرسوم 6433 في 1/10/2011، حدد المرسوم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهات الثلاث الجنوبية والشمالية والغربية معتمدا نفس النقاط التي حددتها اللجنة المشتركة في العام 2008 أي باعتماد النقطة (23) كنقطة حدودية ثلاثية من جهة الجنوب. هذا المرسوم وباعتراف اللجنة اللبنانية المشتركة لا يتطابق مع القانون 163 لان النقطة (23) ليست النقطة الواقعة على المسافة ذاتها من أقرب النقاط على ساحل كل من لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة كما تم تحديدها في القانون رقم 163. حيث تقول اللجنة بان النقطة الحدودية الثلاثية من جهة الجنوب هي على مسافة خمسة اميال جنوب النقطة (1) في حين ان النقطة (23) تبعد حوالي عشرة اميال عن النقطة (1).
ثالثًا: الاستنتاجات
من المهم التأكيد على أنّ لبنان دولة ساحلية لديها حقوق وواجبات على مناطقها البحرية وعليه لابدّ للجانب اللبناني التمسك بالعناوين التالية:
1/ السيادة الكاملة على مياهه الإقليمية وبالتالي حقوقه الاقتصادية في الثروات البحرية.
2/ الاختلاف حول ترسيم الحدود البحرية بينه وبين فلسطين المحتلة وقبرص لا يمنعه من ممارسة حقوقه في استكشاف واستغلال الموارد البحرية في مناطق واسعة من مناطقه البحرية.
3/ من حق لبنان ان يتمتع بمزايا المنطقة الاقتصادية الخالصة، وبكل الحقوق والواجبات المتعلقة بها وفقا لاتفاقية قانون البحار لعام 1982 التي وقع وصادق عليها لبنان، ولم يوقع ولا يصادق عليها الكيان المؤقت.
4/ استغلال الكيان المؤقت للخطأ الذي وقع فيه الجانب اللبناني اثناء ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، لا يعطيه حق وفقا للتشريعات الدولية بفرض منطقة بحرية خلافية بين النقطتين (1) و(23) مساحتها حوالي 860 كيلومتر مربع. واعتبارا الى أنّ ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق البحرية التي تدخل في سيادة الدولة الساحلية هو من حق الدولة وحدها، طالما ان ذلك لا يتعارض مع القوانين والتشريعات الدولية، فمن حق لبنان مراجعة الخطأ وتصحيحه وفقا للمعطيات الجديدة.
5/ الكيان المؤقت غير موقع وغير مصادق على اتفاقية قانون البحار 1982/1994 ولكنه ملزم (لأنه كيان معترف فيه دوليا وهو عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة) باحترام القواعد القانونية الامرة الموجودة في الاتفاقية لأنه قانون عرفي يطبق على الدول غير المصادقة.
6/ التشريعات الدولية تمنح لبنان حق الدفاع عن حقوقه الاقتصادية المشروعة في ثرواته البحرية، ومواجهة الانتهاكات التي يقوم بها الكيان المؤقت سواء بالدفاع الشرعي المباشر (استثناءات نصت عليها اتفاقية قانون البحار في المواد 74/83) او عن طريق اللجوء الى المحاكم الدولية (لجنة فض النزاعات البحرية/ محكمة العدل الدولية).
7/ المادتين 74.3 و83.3 من اتفاقيّة قانون البحار، لا تحدّ -بحكم القانون- صلاحيات كل دولة في منطقة متنازع عليها لا يزال يتعيّن ترسيم حدودها؛ اذ تبقى هذه الصلاحيات الممنوحة عمومًا للدولة الساحليّة بموجب أحكام اتفاقيّة قانون البحار ذات الصلة والقانون الدولي العرفي. هذه الصلاحيات يسمح للبنان بالعمل على استكشاف واستغلال الثروات الموجودة وفقا للأليات المرتبطة باتفاقية قانون البحار.
8/ انتهاك الكيان المؤقت الواضح لأليات المواد 74/83 من اتفاقية قانون البحار يمنح لبنان الحق في استخدام القوة (المقيدة وفقا للقانون الدولي) كملاذ أخير من اجل فرض سيادة الدولة اللبنانية في ترسيم الحدود البحرية.
9/ اللجوء الى التدابير المضادّة مسموح به بشكل عام ما دامت متناسبة ولا تنتهك الالتزامات المنصوص عليها في القواعد الآمرة للقانون الدولي، بما في ذلك الالتزام بالامتناع عن التهديد باستعمال القوّة أو استخدامها. لذلك، يُصرّح للدولة بعدم الامتثال لالتزاماتها بموجب المادتين 74.3 و83.3 كتدبيرٍ مضاد، ولكن فقط في حالة عدم امتثال الدولة الأخرى. قد تتكوّن التدابير المضادّة بالتأكيد من سلوكيات سلبيّة مثل الانسحاب من المفاوضات وتعليق الترتيبات المؤقتة المشتركة. بيد أنّه هل يمكن أن تتكوّن هذه التدابير أيضًا من سلوك إيجابي؟ قد يكون الأمر قابلًا للنقاش إزاء مدى امكانيّة الدولة بمنح حقوق الاستغلال في منطقة متنازع عليها كتدبير مضاد.
10/ قد تتمثّل أنشطة الاستغلال في انتهاك خطير للالتزامات المنصوص عليها في المادتين 74.3 و83.3 من اتفاقيّة قانون البحار وقد تضرّ باستئناف أداء الالتزامات. على الرّغم من أنّ الدولة قد تجادل في ظلّ ظروف معيّنة بأنّ الاستغلال يمكن اعتباره تدبيرًا مضادًّا مشروعًا ومتناسبًا، وهذا ما يمكن للبنان القيام به في ظل عدم التزام قبرص بالاتفاقية الثنائية التي حددت المنطقة الاقتصادية بين الدولتين، وعدم احترامها لفحوى الاتفاقية، كما أيضا، في ظل الانتهاكات التي يقوم بها الكيان المؤقت في المنطقة المتنازع عليها، وفشل الوسيط الأمريكي في إدارة المفاوضات التي من المفترض انها أنشأت لتثبيت الحقوق البحرية اللبنانية.
11/ يمكن اعتبار لبنان دولة ساحلية متضررة جغرافيا بسبب ما تواجهه من حصار من قبل الكيان المحتلّ الذي ينتهك السيادة اللبنانية وحدودها وحقوقها البحرية، ويعمل على تغيير ملامح الحالة الجغرافية البحرية وفقا لمصالحه.
12/ حقل كاريش متاخم للحدود اللبنانية، وبالتالي، فهو موجود قطعا ضمن المنطقة المتنازع عليها، كما من الممكن للكيان المؤقت سحب الغاز اللبناني من خلاله باستخدام التكنولوجيا المتاحة. يبعد الحقل 4 كم عن الحدود الفلسطينية اللبنانية، وتحديداً في بلوك 8 العائد للبنان، و7 كم عن بلوك 9، والبئر التجريبي الذي حفر يبعد حوالي 15 كم. هذا يعني انه موجود في المنطقة المتاخمة للمياه الإقليمية اللبنانية وفقا للمادة 33 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982. اللافت أن هذا الحقل قريب جداً من الحدود الفاصلة بين المنطقتين الاقتصاديّتين الخاصتين بكلّ من فلسطين المحتلة ولبنان. ذلك أن أبعد نقطة منه تقع على بعد يتراوح ما بين 15 و17 كم من حدود المنطقة اللبنانيّة، أما أقرب نقطة منه فتقع على مسافة نحو 4 كيلومترات فقط من حدود المنطقة اللبنانية. هذا الحقل بات على تماس غازي مع بلوكين اثنين من البلوكات الثلاثة التي تشكّل حدود المنطقة اللبنانية مع المنطقة الفلسطينية المحتلة في المتوسط. علماً أن المنطقة الاقتصاديّة الخاصة بلبنان ومساحتها نحو 22 ألف كيلومتر مربّع، باتت مقسّمة بحسب المسوحات التي أجرتها وزارة الطاقة اللبنانيّة، إلى 10 بلوكات، ثلاثة منها تقع على حدود فلسطين المحتلة، وهي البلوكات 8 و9 و10 بحسب تسمياتها من الغرب إلى الشرق أو من عمق البحر المتوسط إلى البرّ اللبناني. كما أنّ حقل “كاريش 1″ يبعد 4 كيلومترات فقط عن البلوك رقم 8 ويبعد 6 كيلومترات عن البلوك رقم 9، كذلك يبعد 9 كيلومترات عن مكمن غازي تمّ مسحه في البلوك اللبناني رقم 9. تؤكد هذه التفاصيل مرة أخرى على وجود هذا الحقل ضمن جزء كبير من المنطقة المتاخمة للمياه الإقليمية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وهذا مؤشر على ان جزء كبير من هذا الحقل بما يحتويه من ثروات غازية تعود للبنان بحسب اتفاقية قانون البحار لعام 1982.
13/ إنّ الخط 23 أوجده الكيان المؤقت، وهو لا ينطلق من الحدود الدولية أي رأس الناقورة، يعني غير مرتبط برسم خط الأساس الذي يبدأ من اليابسة وفقا لقانون البحار الدولي، إذا هو غير قانوني وغير علمي، ولا يحقق مصالح لبنان، وهناك مساحات واسعة تخسرها البلاد في حال اعتماده. إثر دراسة قام بها المكتب الهيدروغرافي البريطاني لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان عام 2011، تم التأكيد أنّ الخط 23 فيه عيوب، وأوصى التقرير باتباع طريقة ترسيم تعطي لبنان مساحة إضافية جنوب الخط 23، وهكذا كان ترسيم الخط 29، لكن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي تؤكد أهمية الخط 29 لم تعرض على مجلس الوزراء عام 2011، رغم تكليف الدولة للمكتب الهيدروغرافي بهذه المهمة، ودفع المال اللازم لذلك. مع العلم أن الإقرار بالخط 23 الذي ينطلق من 30 متراً شمالي رأس الناقورة يحتم تغييراً أيضاً بالحدود البرية، وهي المثبتة والمرسمة في اتفاقيات عصبة الأمم، وبين لبنان وإسرائيل بعد الهدنة، و”هذا أمرٌ خطير جداً”.
14/ تُعدّ تخليت صخرة قرب رأس الناقورة بطول 40 مترا وعرض 7 أمتار، ويستغلها الكيان المؤقت للقول إنها جزيرة، بهدف دفع الخط شمالاً، في حين أنّ قانون البحار، وتحديداً المادة 121 منه المتعلقة بنظام الجزر، تنصّ على أنه “ليست للصخور التي لا تهيئ استمرار السكنى البشرية أو استمرار حياة اقتصادية خاصة بها منطقة اقتصادية خالصة أو جرف قاري”، وبالتالي فإنه يجب أن تكون مأهولة وقابلة للسكن، وتخليت لا تتوافر فيها هذه الشروط.
15/ هناك من يعتبر أنّ الخط 29 هو الخط القانوني الذي يعطي لبنان مساحة 1430 كيلومترا مربعا إضافيا عن الخط 23، ويعطي لبنان كميات أكبر من الغاز والنفط والمياه الجوفية الحلوة والثروة السمكية، وبالتالي ثروة بمئات مليارات الدولارات، وجزءاً من حقل كاريش، عدا عن حقل قانا، رغم ان هناك من يقول بانه لا شيء يؤكد أنه يحتوي على نفطٍ أو غاز.
16/ الإشكالية في طرح ما بات يعرف باسم “حقل قانا” والالتباس الحاصل حول موقعه، حقيقة وجوده ومخزونه الغير ثابت الى حد الان. تقنياً، لا أحد يمكنه الجزم ان كان حقل قانا يملك ما يعوّض عن الخط 29 الذي حددته الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني سابقا كخط حدودي. العرض اللبناني للحصول على حقل قانا يتطلّب اعترافاً اسرائيلياً للبنان، وهذا قد يعني نزاعاً محتملاً في المستقبل، خصوصاً أن حقل قانا حتى الان هو حقل نظري، بمعنى، ان هناك عدة دراسات زلزالية إنكليزية ونروجية أشارت إلى احتمال وجود حقل غازي كبير، لكن يبقى حقلا نظرياً إلى حين القيام بعمليات الحفر فيه للتثبت من وجود الغاز فيه، وتثبيت الحقوق الاقتصادية اللبنانية فيه بناء على ذلك.