منذ الإعلان عن التوصل لإتفاق حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أميركية، بدأت، على المستوى اللبناني، حملة واسعة من المزايدات حول النتيجة التي تم التوصل إليها، بسبب الخلافات حول الخط 29، مترافقة مع تحليلات تتناول ما قد يحققه لبنان على هذا الصعيد، لا سيما أن هناك من ذهب إلى تبني الرواية التي تتحدث عن أن حقل قانا صغير.
على الرغم من ذلك، يبقى الأهم هو الإطار التنفيذي لهذا الإتفاق، أي كيفية الإستفادة اللبنانية منه، خصوصاً أن الحظر على عمليات الإستكشاف كان يشمل كل البحر اللبناني، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة على هذا الملف لـ”النشرة”، وتشير إلى أن رفع هذا الحظر قد يكون هو الإنجاز الأبرز الذي تحقق، نظراً إلى أن الشركات كانت ممنوعة من العمل.
في هذا السياق، تجيب هذه المصادر على مجموعة من الأسئلة التي تطرح بقوة في الوقت الراهن، حيث تلفت إلى أن شركة “توتال” الفرنسية من المفترض أن تبدأ بالعمليات التمهيدية لبدء عملية الحفر عندما يصبح الإتفاق نافذاً، نظراً إلى أنها كانت تنتظره قبل الذهاب إلى أي خطوة عملية، وتوضح أن هذا الأمر يتطلب القيام بمجموعة من التحضيرات، مشابهة لتلك التي سبقت عملية الحفر في البلوك رقم 4، ما يدفعها إلى ترجيح بدء عملية الحفر في شهر آذار المقبل من حيث المبدأ، بينما عملية الإنتاج، بعد الوصول إلى الإكتشاف، تحتاج 4 سنوات بالحد الأدنى.
وتشدد المصادر نفسها على أن “توتال” تبدي كل جدية في العمل، ما يعني أن العمليّة وضعت على السكة الصحيحة ولم يعد هناك من مبرر لأي تأخير، وتوضح أن الحديث عن أن موازنة الشركة لا تتضمن أعمال حفر في لبنان لم يعد ينطبق على الواقع المستجد، نظراً إلى أن هذه الموازنة من الممكن تعديلها وما بعد الإتفاق لن يكون كما قبله، لا سيما أن الشركة لم تكن تريد القيام بأي أعمال قبل الإنتهاء من النزاع الحدودي مع تل أبيب.
على صعيد متصل، تعلق مصادر معنية، عبر “النشرة”، على الحديث المتكرر حول ما قد يتضمنه حقل قانا، حيث تشدد على أن المطلوب هو الحديث العلمي لا السياسي الذي ينطلق من المناكفات المعروفة الأسباب، وتلفت إلى أن الشركة الفرنسيّة ما كانت لتبدي كل هذه الحماسة فيما لو لم تكن قد قامت بالدراسة المباشرة، وبالتالي تدرك أن إحتمالات تحقيق إكتشاف عالية، وتؤكد أن “توتال” تعرف اليوم أين يجب أن تحفر، لكن الأهم، من وجهة نظرها، هو تحقيق إكتشاف قابل للتطوير.
وتلفت هذه المصادر إلى أن نقطة بالغة الأهمية في هذا الإتفاق، تكمن بأنه منذ بدء العمل على هذا الملف في لبنان، كان هناك سؤال جوهري يتعلق بأن المشغل لا يستطيع القيام بإتفاق تجزئة، فيما لو كانت هناك حقول مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، نظراً إلى أن لبنان لا يعترف بها ولا يمكن الذهاب إلى إتفاق مباشر معها، في حين أن هذا الإتفاق تحدث عن كيفية المعالجة فيما لو كانت هناك مكامن مشتركة.
بالنسبة إلى ما يطرح حول الخط 29، ترى المصادر نفسها أن ذهاب لبنان إلى التمسك بهذا الخط كان سيعني الإستمرار بوقف كل عمليات الإستكشاف في الجانب اللبناني، في حين أن إسرائيل، على الأرجح، كانت ستستمر في الأعمال التي تقوم بها، وبالتالي الأمور كانت ستذهب إلى المواجهة العسكرية، بينما في المقابل تكشف أن الإنعكاسات الإيجابية لإتفاق الترسيم بدأت بالظهور، وتشير إلى أن بعض الشركات بدأت تبدي إستعدادها للمشاركة في دورة التراخيص الثانية، التي كانت قد مددت إلى 15 كانون الأول 2022.
على المستوى السياسي، ترى أوساط سياسية، عبر “النشرة”، ضرورة التوقف عند نقطتين بارزتين في الكلام الصادر عن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي تحدث عن أن هذا الإتفاق يشكل فرصة لإعادة واستعادة الاستثمارات الأجنبية والخارجية في لبنان، كما سيساعد على تعزيز فرص استغلال واستكشاف النفط والغاز، وتشدد على أن الإتفاق وصل إلى الحل الذي كان من غير الممكن الوصول إليه.
على الرغم من ذلك، لا تنفي هذه الأوساط إمكانية بروز خلافات في المرحلة التنفيذية، الأمر الوارد عند تطبيق أي إتفاق أياً كان نوعه، لكنها في المقابل تشير إلى أن إسرائيل نفسها تصف الإتفاق الحاصل بالتاريخي، ما يعني من المرجح أنها لن تغامر في إسقاطه، بينما على المستوى اللبناني عامل الردع لا يزال موجوداً