عاد كيان الاحتلال الى سياسة الاغتيال في الضفة الغربية المحتلّة التي غابت على مدار عقدين، وذلك بعد أن نهضت هذه المدن بالمقاومة من جديد وبشكل واسع، ما أفقد جيش الاحتلال “السيطرة” ووضعه أمام تهديد حقيقي واستراتيجي.
ارتكز الاحتلال على هذه السياسة خلال الانتفاضتين، الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، مستهدفاً كوارد الفصائل وقادتها الذين كانوا المسؤولين عن تشكيل الخلايا العسكرية الأولى للمقاومة الفلسطينية، كما التخطيط للعمليات النوعية بمختلف أشكالها والتي وقعت في عمق الأراضي المحتلّة عام 1948.
اغتال الاحتلال الشهيد تامر الكيلاني الذي يُنسب الى مجموعة “عرين الأسود” عبر تفخيخ دراجة نارية بمواد TNT ركنها أحد عملائه في حي “الياسمينة” وبالقرب من “حوش العطعوط” بالبلدة القديمة بنابلس، لتنفجر عن بُعد عند مرور الكيلاني بمحاذاتها. وأصدرت “عرين الأسود” بياناً نعت فيه الشهيد كاشفةً عن مشاهد عملية الاغتيال. وقالت في السياق “إن هذا الاحتلال لا يواجه بشرف العسكرية ولا يعلم عنها شيءً ولم يدرسها ولم يدرس إلا طرق الغدر هو ومعاونيه”.
عودة سياسة الاغتيال التي ثبُت فشلها بالتجربة وخاصة عندما اعتمدها الاحتلال مع قيادة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزّة، دليل على حجم المآزق التي تعاني منها مستويات الاحتلال أمام المقاومة المتصاعدة في الضفة والقدس المحتلّة، وغياب الاستراتيجيات ميدانياً.
كل فلسطيني يُقتل يخلق أسطورة شهيد بطولي
وطالما أن مجموعة “عرين الأسود” تحظى بالتفاعل الشبابي في إطار نهوض جيل فلسطيني جديد آمن بخيار المواجهة المسلّحة ولم تحبطه ممارسات السلطة الفلسطينية من تنسيق أمني وإغراء بالرواتب والوظائف. فإن “كل فلسطيني يُقتل يخلق أسطورة شهيد بطولي، تشعله مواقع التواصل الاجتماعي وتوزعه على مئات الأشخاص ويشاركه الآلاف من الشباب الغاضب، تصبح جنازته حدثًا جماهيريًا، يصبح جنبًا إلى جنب مع الهتاف على شبكات التواصل دافعًا قويًا يقود إلى تنفيذ عمليات، التقليد والإلهام الذي يمنح المنفذين الاعتراف والشهرة”، حسب ما اعتبر المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت احرنوت” العبرية رون بن يشاي.
وأضاف “في إسرائيل هناك خوف بدأ بالفعل من أن العمليات القادمة من جماعة عرين الأسود في نابلس وأزقة مخيم جنين للاجئين ستكون بمثابة إلهام ومصدر تقليد في مناطق أخرى” من الضفة الغربية والقدس.
الاغتيال سيعزّز من حضور “عرين الأسود”
من ناحية ثانية، اكتسبت “عرين الأسود” دعماً شعبياً واسعاً وتضامناً كبيراً. في هذا الصدد نقلت الصحيفة “هآرتس” العبرية تحذيرات من مصادر أمنية إسرائيلية، تفيد بأن “عملية اغتيال تامر كيلاني من نشطاء مجموعة “عرين الأسود”، واللجوء لسياسة الاغتيالات كما كان التوجه باستخدام الطائرات بدون طيار المسلحة، سيعزز من قوتها وحضورها في أوساط الفلسطينيين”.
لم يصرّح الاحتلال علناً عن مسؤوليته في اغتيال الكيلاني، الذي زعم الاحتلال أنه “بادر بإرسال منفذ عملية تم ضبطه في يافا في بداية أيلول (سبتمبر)، واكتسب خبرة في تنفيذ عمليات أخرى”، وقد رأى الصحفي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، أن التعتيم على الجريمة “لا يدل على مستوى ردع مرتفع لدى إسرائيل، بل على العكس”.
وتابع “يهوشواع” أن هذا التعتيم “يُعظم جدا هذا التنظيم الصغير” بسبب أن “إسرائيل” يلجأ الى تقنيات اغتيال كبار القادة والمقاومين، لافتاً إلى أن “الهدف الأهم لجهاز الأمن الإسرائيلي في تنظيم عرين الأسود الآن هو الذي قتل الجندي في سرية غفعاتي، عيدو باروخ، ولم يتم اعتقاله حتى الآن والحساب لم يُغلق”.
تعود سياسة الاغتيال بحسب، “يديعوت أحرنوت” الى القرارات الأخيرة التي اتخذها مجلس وزراء الاحتلال “بالتعامل بشكل عاجل مع عرين الأسود في نابلس، والمقاتلين الذين ينطلقون لتنفيذ عمليات من مخيم اللاجئين في جنين”. وقد بدأ الجيش و”الشاباك” في ترجمة هذه القرارات عملاتياً. وحلّلت الصحيفة أن “اغتيال الكيلاني هو بالفعل جزء من التكتيكات العملياتية الجديدة المستخدمة”.
لكنها أوضحت أن التنفيذ يجب أن يقيّد بـ ” التقليل قدر الإمكان من عدد القتلى بين الفلسطينيين” تجنباً للتصعيد. كما “عدم الدخول في عملية واسعة النطاق في جميع مناطق الضفة الغربية، حتى لا يتم ربط السكان غير المتورطين بالمقاتلين، وحتى لا تجرى الانتخابات في إسرائيل في خضم صراع عسكري مع العديد من الضحايا والمشاعر الملتهبة”.
تؤكد هذه الإجراءات أن سياسة الاغتيال قد تعود على الاحتلال بالنتائج العكسية وتورطه في مزيد من التحديات الأمنية والعسكرية والسياسية (في ظل التخبّط الحكومي) فيما ستعزّز “الانتفاضة” الجديدة للشعب الفلسطيني.
الكاتب: مروة ناصر