مثلها مثل أصدقائها من اللبنانيين الذين قدموا أوراق اعتمادهم لدى أعداء بلادهم، قدّمت حنين غدار رؤيتها السياسية حول كيفية احتواء حزب الله وضربه من الداخل، عبر مجموعة مقالات وأوراق بحثية بالإضافة إلى مشاركات في جلسات الاستماع في الكونغرس. شملت رؤيتها لتطويق الحزب سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وإصرار لافت على أهمية التدخل الأجنبي في لبنان لتحرير لبنان عمومًا والشيعة خصوصًا، من حزب الله مع ربطه بصورة دائمة بـ “الاحتلال الإيراني”.
ومن خلال مراجعة النصوص، يمكن ملاحظة ثلاث عناوين ركزت عليها غدار:
أولًا: احتواء حلفاء حزب الله في الداخل اللبناني
تعترف غدار بأنّ العقوبات الأمريكية أحبطت رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بشكل مؤقت لكنها لم تنجح في إضعافه. لذا ترى أنّ هناك الكثير مما يجب القيام به لفضح تحالفه مع “حزب الله”، والحد من نفوذه في لبنان، وحماية الخصوم السياسيين لحزب الله في الداخل اللبناني. وتقر بأنّ الولايات المتحدة لا يزال لديها نفوذ كافٍ مع شخصيات لبنانية بارزة لتحقيق هذه الغايات. فهي تحذر من مساعي باسيل لإضعاف جنبلاط الذي من شأنه خدمة مصالحه الخاصة بشكلٍ كبير، فضلاً عن مصالح الرئيس السوري بشار الأسد، الذي هو من أطراف محور المقاومة.
لذلك، تؤكد غدار ضرورة استخدام الولايات المتحدة مساعداتها للجيش اللبناني، البالغة حوالي 2.29 مليار دولار منذ عام 2006، كوسيلة للضغط، خصوصاً وأن المحاكم العسكرية تابعة للجيش ويمتلك حزب الله تأثيراً كبيراً على الجيش وقيادته وبالتالي على قرارات هذه المحاكم التي تمارس دوراً حساساً.
لدى غدار اليقين التام بأنه حتى لو كان التهديد بالعقوبات يردع عون وباسيل عن التمادي في نفوذهما داخل لبنان، فقد لا يكون ذلك كافياً لفسخ تحالفهما مع “حزب الله”. إلاّ أن العقوبات أكثر فعالية مع مجتمع الأعمال التابع لتكتل عون السياسي، والذي قد يعيد النظر في دعم باسيل لمنصب الرئاسة. وهي تضيف بأن الأهم من ذلك، إمكانيّة التأثير على رجال الأعمال التابعين لـحركة أمل والأحزاب الشيعية الأخرى، الذين سيفكرون بالفعل في الخيارات الكفيلة بإبعادهم عن مجتمع الأعمال التابع لحزب الله في ظل العقوبات. إنّها ترى أنّ مشاكل لبنان بحاجة إلى سياسات عملية توحّد المعارضة، وتتصدى للهيمنة الإيرانية.
وعليه، نرى أن غدار تتبنى مبدأ عزل حزب الله وبيئته عن الأطياف اللبنانية كافة، عبر تطبيق العقوبات في إطار سياسة أمريكية شاملة، تهدف إلى البحث عن سبل كفيلة بإعادة التوازن السياسي في لبنان، لزعزعة تحالفات “حزب الله” وقاعدة مساعداته المالية، بعد فشل المحاولات السياسية.
ثانيًا: العلاقة بين حزب الله وشيعة لبنان
تزعم غدار أنّ القوى السياسية البديلة لحزب الله في أوساط المجتمع الشيعي أصبحت أكثر قوة، وبدأت مجموعات ناشئة في التعبير عن معارضة شديدة للحزب، وتشمل شبكات الأعمال، والطلاب الذين شاركوا في احتجاجات تشرين، وناشطين أذكياء على مواقع التواصل الاجتماعي وأخصائيين من شباب لا يتذكرون سنوات ما بعد الحرب الأهلية، التي ساهمت في جلب “حزب الله” إلى الساحة السياسية، فالاهتمامات الأساسية لهذه المجموعات هي اقتصادية واجتماعية وليست سياسية أو أيديولوجية. وعليه، نحن (لسان حالها) أمام جيل جديد من الشيعة اللبنانيين الذين يتنامى سخطهم إزاء “حزب الله”، وراغبين في التغيير فعليًا، ويتوقون إلى فصل أنفسهم.
تقترح غدار على الولايات المتحدة، بدلاً من مواصلة العمل مع مؤسسات الدولة اللبنانية الضعيفة والفاسدة والخاضعة لسيطرة “حزب الله”، تحويل تركيزها إلى منظمة مجتمع مدني أكثر تنظيمًا، تتمتع بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وأوروبا والمؤسسات الدولية، وتركز على خلق الفرص الاقتصادية وتمكين الأصوات السياسية الجديدة وتقديم بديل حقيقي عن “حزب الله” للشيعة اللبنانيين المحبطين، والتخلص من الخيار بين الاعتماد على “حزب الله” أو التضور جوعًا.
تدعي غدار أيضًا “أن التصدعات في مزاعم حزب الله بالقوة بدأت منذ حرب تموز 2006، ” وأدرك الناس الثمن الباهظ الذي تعيّن عليهم دفعه في هذا الصراع. وفي عام 2007، استخدم “حزب الله” السلاح ضد الشعب اللبناني للمرة الأولى. وبعد بضع سنوات، تدخل الحزب في الحرب الأهلية السورية دعمًا لنظام الأسد، وهو قرار أثار ردود فعل عنيفة واسعة النطاق في الداخل اللبناني، حتى أنه أثّر على الشيعة من حيث تحويل مخصصات الميزانية والعزلة والخطاب الطائفي. لذا ترى غدار أنّ علاقة “حزب الله” بالمجتمع الشيعي، غالبًا ما يستعرض فيها القوة والتمثيل، اللتان لا يتمتع بهما بالضرورة، حسب قولها، وأنّه في حين يعتقد العديد من المراقبين في لبنان والخارج أن الشيعة يدعمون الحزب بشكل عام، إلّا أنّهم يتمتعون في الواقع بالعديد من وجهات النظر المختلفة.
بالنتيجة، نرى أن حنين غدار تسعى بكل الطرق، لدرجة الافتراء وتحريف الحقائق وتصوير المجتمع الشيعي الموالي لحزب الله، على أنه مجتمع مظلم فقير يشبه ساحات القتال، وانعدام مقويات العيش والتطور فيه، وهو أمر مخالف للواقع، بل أشبه بعملية جلد ذات لإعلاميّة شيعية لما تجد من يصفق لها داخل هذه المنظومة القوية.
ثالثًا: الضغوط القصوى لاحتواء حزب الله
تشير غدار إلى أن حزب الله يدرك أن استمرار العقوبات أو تغير الظروف الإقليمية قد يضطرّه إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة مع الوقت. فإذا نشبت مثلاً حرب جديدة مع إسرائيل، قد لا تتمكن طهران من إرسال الشاحنات المحمّلة بالنقود إلى لبنان كما سبق أن فعلت خلال حرب 2006. وعلى النحو نفسه، قد لا تكون الدول الأخرى مستعدة لتمويل مشاريع إعادة الإعمار مرة أخرى بعد الحرب بما أن “حزب الله” يسيطر على الحكومة. وتزعم أن الحزب أصلًا يمرّ بأزمة مالية خطيرة ويبحث عن مصادر تمويل جديدة باستخدامه مختلف الموارد العامة في الدولة، وقد أصبح لديه نفوذ في معظم الوزارات من خلال حلفائه السياسيين ولا بدّ من إيقافه.
وتقترح من أجل التصدي أن توسع الولايات المتحدة وحلفاؤها نطاق العقوبات والتركيز على إطلاع المؤسسات الدولية والمواطنين اللبنانيين على الجهات والأنشطة المستهدفة بالعقوبات على “حزب الله”، وتؤكد أنّه لطالما كرر المسؤولون في وزارة الخزينة الأمريكية أن القصد من العقوبات ليس معاقبة المجتمع الشيعي بأسره، ولكن لم تُبذل أي مساعٍ جدية للتواصل مع الشركات الشيعية. إنّها تؤكد بأنّ العقوبات تعطي نتائج واعدة.
وأخيرًا
من الواضح أن حنين غدار تحظى بالاهتمام الأمريكي والخليجي بسبب انتمائها للطائفة الشيعية، بهدف إيجاد معارضة لشعبية الحزب والترويج بأن النخب الثقافية والفكرية الشيعية ليست راضية عن نفوذ حزب الله داخل الطائفة الشيعية. حيث تبدو لافتة كمية الادعاءات والأكاذيب التي لا يمكن أن يُبنى عليها كدراسات وأوراق بحثية لأنها مخالفة للواقع، وبالتالي ينتفي دور حنين غدار كـ “مفكرة” لتتحوّل إلى مجرّد بوق إعلامي رخيص قد ألبسوه لباس الفكر والثقافة.
الكاتب: مريم أخضر