مهما حاول البعض النفي دائماً، فإن عالم ما بعد الحرب الباردة الذي تقوده أمريكا، لا يفهم لغة الحياد أو العلاقات الدولية المبنية على الحوار والتفاوض الدبلوماسي، بل يفهم لغة القوة الرادعة والمواجهة فقط، وهذا ما بات مسلماً به.
لذلك، وفي وجود الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تخفي مطامعها في الهيمنة على العالم، وفي تدمير أي بلد يشكّل منافساً لها في القدرات، والتي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، سبق لها وأن استخدمتها مرتين ضد اليابان. فعندها يصبح امتلاك بعض الدول لحلول رادعة، بحسب إمكانياتها أمراً واجباً وضرورياً، يرقى الى أقصى معايير حماية الأمن القومي والوجودي لها.
وهذا ا ما فعلته روسيا الاتحادية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، حينما استمرت رغم انتهاء الحرب الباردة، ووفقاً للمعلومات والمقالات المتداولة، في تطوير نظام “بيريميتر – Perimeter” أو ما يعرف في المعسكر الغربي باسم “اليد الميّتة”، الذي يهدف إلى شن ضربة نووية انتقامية ضخمة، ليشبه ما وصفه البعض بـ “آلة يوم القيامة”، حتى ولو بقي من الروسيين شخص واحد.
فما هي أبرز وأهم المعلومات المتداولة حول هذا النظام؟
_ خلال الحقبة السوفييتية، كان هذا المجمع شديد السرية، بحيث لم يعلم به العالم حتى تشرين الأول / أكتوبر من العام 1993، بعد مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بعنوان “آلة يوم القيامة لروسيا”، والذي تضمن محادثة مع الخبير في معهد بروكينغز “بروس بلير” وأحد مواطني الاتحاد السوفييتي، الذي تحدث عن هذا السلاح السوفييتي السري.
_ كشف أحد مطوري هذا النظام “فلاديمير يارينيتش” في مقابلة مع مجلة Wired عام 2009، بأن احتمال حصول إطلاق تلقائي لهذا النظام أمر غير وارد. بحيث صُمم “بيريميتر” لكي يبقى خامداً، حتى يتم تفعيله من قبل مسؤول كبير في حال حدوث أزمة. عندها يبدأ النظام باستخدام أجهزة الاستشعار الخاصة به، لمراقبة شبكة مجسات الزلازل والإشعاع وضغط الهواء بحثًا عن علامات الانفجارات النووية، ويجب أن يتحقق أولاً مما إذا كان الانفجار النووي قد حدث على الأراضي الروسية. فإذا كان الأمر كذلك، عندها يتصل المجمع بهيئة الأركان العامة، من أجل الحصول على أمر واضح، بعد أن يكتشف الأشخاص المسؤولين على قيد الحياة، ويمكنهم اتخاذ قرار بشأن تنفيذ الضربة الانتقامية بأنفسهم، وينتظر ذلك من 15 دقيقة إلى ساعة ثم ينطفئ، لكن بشرط عدم وجود هجمات جديدة.
أما إذا تم قطع خط الاتصال مع هيئة الأركان العامة، فعندها سيستنتج النظام بأن “نهاية العالم قد حانت”. وسيقوم على الفور بنقل سلطة إطلاق الصواريخ إلى أي شخص موجود في تلك اللحظة في مخابئ محمية بشكل خاص في أعماق الأرض، ومن الممكن أن يكون هذا الشخص وزيراً أو حتى ملازماً صغيراً.
_ أما الصحفي العسكري “ألكسندر ميخائيلوف”، فقد أفاد بأن النظام يعمل بشكل تلقائي، في حال ثبوت العدوان من خصم محتمل.
وكانت فكرة النظام الذي تم إنشاؤه في الثمانينيات، هي تحديد إمكانيات الرد عندما يحصل فقدان لمراكز التحكم والقيادة، عندها يتم تنفيذ جميع الأهداف المحددة مسبقاً، ويتم توجيه ضربات الأسلحة المبرمجة عليها تلقائياً. ولكن بالرغم من ذلك، فإن المجمع لا يمكنه إطلاق صاروخ بالخطأ، فهو يستطيع تمييز التهديدات الكاذبة.
_ لذلك فإن هناك 3 فرضيات لطريقة التحكم به، قد تكون جميعها صحيحة، بحيث يكون هناك آلية تحكم آلية ونصف آلية ويدوية تتم عبر أمر مباشر من أعلى سلطة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة وإدارة القوة الصاروخية الاستراتيجية. فيكون عندها مصمم لضمان تسليم أوامر القتال من أعلى مستويات القيادة إلى مواقع القيادة وقاذفات الصواريخ الاستراتيجية الفردية في الخدمة القتالية في حالة في حالات الطوارئ، لا سيما عندما تتلف خطوط الاتصال.
_ يمتلك نظام اتصالات وقيادة وسيطرة احتياطي يدعى بـ”المحيط”، لقيادة جميع أفرع القوات المسلحة المسلحة برؤوس نووية. وتم إنشاؤه كنظام اتصالات احتياطي في حالة تدمير المكونات الرئيسية لنظام قيادة Kazbek وخطوط اتصالات قوات الصواريخ الاستراتيجية بضربة أولى، وفقاً لمفهوم الحرب النووية المحدودة المطورة في أمريكا.
_ في كانون الأول / ديسمبر من العام 2011، صرح قائد قوات الصواريخ الاستراتيجية الجنرال سيرغي كاراكاييف، أن نظام المحيط موجود وهو في حالة تأهب.
_ يتواجد هذا المجمع في مخبأ في جبل “كوسفينسكي كامين” (منطقة سفيردلوفسك)، ويقع تحت سماكة ما لا يقل عن 300 متر من الغرانيت، بحيث يصعب على القذائف النووية اختراقه وتدميره.
كيفية عمل النظام بعد التفعيل
_ يتم إطلاق صاروخ القيادة 15P011 أو ما يشبهه حالياً (صاروخ RT-2PM Topol ICBM)، المزود برأس حربي من نوع 15B99، والذي ينقل أثناء الرحلة أوامر الإطلاق إلى جميع منصات الإطلاق ومراكز القيادة للصواريخ الاستراتيجية التي لديها المستقبلات المناسبة.
_ في العام 2018، صرح بروس بلير لصحيفة “ديلي ستار” البريطانية أن روسيا تعمل على تحديث هذا النظام. فبرأيه، يمكن لهذا السلاح أن “يضمن التدمير الكامل للأعداء”، وأن يمنع احتمال اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
كما أفاد مراقبو وسائل إعلام بريطانية، بأن هذا النظام يعني بأن الغرب سيضطر دائماً إلى التفكير مرتين، عندما يغريه أمر شن هجوم نووي.
_ حاولت الإدارة الأمريكية في التسعينيات، التأكد رسمياً من وجود هذا النظام، عندما اقترح مدير وكالة المخابرات المركزية – CIA حينها “روبرت جيتس”، مطالبة الرئيس بوريس يلتسين بتوضيح ما إذا كان هذا النظام ما زال يعمل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لكنهم تخلوا عن فكرة إثارة هذا الموضوع بعد ذلك.
الكاتب: علي نور الدين
وسوم مرتبطةالأسلحة النووية الاستراتيجية السلاح النووي المعسكر الغربي القوات الروسية نظام اليد الميتة معادلة الردع
دول ومناطقروسيا