في العام 2007، وافق الكونغرس بطلب من الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، على تمويل توسيع العمليات السرية ضد إيران. هذه العمليات، التي سعى بوش لتنفيذها والتي رصد لها أكثر من 400 مليون دولار-حينها-، جرى تمريرها عبر مرسوم رئاسي وقّعه بوش، وتهدف إلى “زعزعة استقرار القيادة في البلاد”، على حد تعبيره. وبحسب هذه الاستراتيجية التي اعتُبرت حلّاً مُرضياً بالنسبة لكيان الاحتلال، فتبنّاها ودعمها، تتولى قوات العمليات الخاصة الأمريكية، إضافة لوكالة المخابرات المركزية، تنفيذ وقيادة المهام العابرة للحدود من جنوب العراق. في حين أثبتت الأحداث السياسية والأمنية المتتالية، التي شهدتها الحدود بين ايران والعراق، ان الولايات المتحدة وإسرائيل قد وجدتا ضالتهما باستغلال حوالي 6 مليون نسمة من الأكراد، حيث عملتا على تطويعهم ثم تشكيلهم جماعات وأحزاب، كان أبرزهم حزب “الحياة الحرة الكردستاني- بيجاك”.
ميليشيا تتلقى تدريباً وتمويلاً من إسرائيل
ويقول كتاب “الصحوة الكردية والتداعيات بالنسبة لإسرائيل” الصادر عن مركز الأمن القومي الإسرائيليINSS، ان “إسرائيل صاغت سياستها على ضرورة انشاء تقارب مع الأقليات المجاورة منذ السبعينات، لفك عزلتها. ولأجل ذلك، كان الدعم الذي قدمته إسرائيل للأكراد على مر السنين”. ويذكر الكتاب انه “في ذروة التحالف الإسرائيلي التركي، ساعدت إسرائيل الأتراك على محاربة الأكراد؛ وقدمت المعلومات الاستخبارية اللازمة لأنقرة للقبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الأمر الذي ترك بعض الأكراد يحتفظون بضغينة وحقد دفينين”. ويضيف “شركات الأمن والاتصالات الإسرائيلية نشطة بالفعل في شمال العراق وتتطلع إسرائيل لاستثمارات في النفط والغاز”.
وبحسب ما أكد الصحفي الأميركي، سيمور م. هيرش، في تحقيق نشرته صحيفة ذا نيويورك، فإن “حزب بيجاك الكردي، تلقى دعماً سريًا من الولايات المتحدة، وكان يعمل ضد إيران من قواعد في شمال العراق”. ووفقاً للخبير العسكري الأميركي، لسام جاردينر، أنه قد لوحظ منذ عام 2008، زيادة ملحوظة في عدد الاشتباكات المسلحة مع الإيرانيين والهجمات الإرهابية على أهداف إيرانية. ويمكن القول أن التمويل الذي وافق عليه بوش، قد تلقاه بيجاك بالفعل.
برز حزب بيجاك للمرة الأولى، عام 2004، بعيد الاحتلال الأميركي للعراق، حيث تموضعت قواته التي كانت تبلغ حينها حوالي 2000 عنصر، على سلسلة الجبال المشتركة بين العراق وإيران، ومنها ما كان مشتركاً مع حزب العمال الكردستاني PKK. فيما عمد لاحقاً لإدارة تموضعه بشكل يعطيه هامشاً آمناً للتحرك وفعالية أكثر في التأثير وقيادة العمليات الميدانية.
يذكر معهد الأمن القومي الإسرائيلي في كتابه، ان الدعم الأميركي والإسرائيلي للميليشيات الكردية، كانت تشمل الأسلحة ومنها الطائرات والأسلحة الفردية والرشاشة إضافة للعبوات والمدافع. اذ باتت تمتلك “قوات شرق كردستان -الجناح العسكري-“، مختلف تلك الأسلحة، إضافة لتلك التي تؤهلها قيادة عمليات هجومية ومضادة للطائرات.
يتولى عبد الرحمن حاجي أحمدي قيادة الحزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK، منذ نشأته على حين اعتقاله في ألمانيا في آذار/ مارس عام 2011، تزامناً مع مطالبات إيرانية بتسليمه إليها، لكن ذلك قوبل بالرفض وتم إطلاق سراحه بعد مدة قصيرة، إلا انه اضطر للبقاء خارج العراق.
مع بدء أحداث ما سُمي بالربيع العربي في سوريا عام 2011، اعتُبر حزب بيجاك من أوائل الجماعات التي أبدت استعدادها لإرسال مقاتلين. اذ أصدرت لجنة التنسيق مع الحزب بياناً في 26 آذار/ مارس عام 2014، قالت فيه ان “بيجاك يؤمن بأن قوة المقاومة الكردية في روغافا -وهو الاسم الكردي للشمال السوري- هي قوة للشعب الكردي بأسره، وأن الاعتداء على أكراد روغافا اعتداء على كل الكرد”.
خلال الفترة الماضية، استمرت الهجمات الإيرانية على مقرات الحزب، بالطائرات المسيرة والقصف الصاروخي. حيث تواصل الاستهداف لمدة 13 يوم منذ 24 أيلول/ سبتمبر الماضي إلى 7 تشرين الأول/ أكتوبر. قبل ان يعلن حرس الثورة انتهاء عملياته “بعد تحقيق الأهداف المخطط لها”. متوعداً بأنه “سيعيد الكرّة فيما لو عاد التهديد ليمس بأمنه القومي مرة أخرى”.
قامت إيران بتصنيف بيجاك، منذ تأسيسه، على أنه منظمة إرهابية. نظراً للعمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها في الداخل الإيراني، وتمس بشكل مباشر أمن واستقرار البلاد، تطبيقاً للأجندة الإسرائيلية والأميركية. اذ ان الحزب وعلى الرغم من حذره الشديد من “الأجانب”، تطبيقاً للقول الكردي الشهير “لا أصدقاء هنا، سوى الجبال”، بعيد الغدر الإسرائيلي بالاكراد وتسليم زعيمهم اوجلان إلى انقرة، لا تزال تؤمن هذه الجماعات، بأن التماهي مع الأهداف الإسرائيلية-الأميركية، قد يحقق لها هدف انشاء “الكيان” الذي تحلم به.
بالنسبة للولايات المتحدة، التي “تبنّت” رعاية هذه الجماعات ودعمت تأسسيها منذ البداية، عادت وصنفت الحزب على لائحة الإرهاب، الخطوة التي وصفت على أنها إرضاء لأنقرة. إلا انها لم توقف دعمه المادي والاستخباري الى اليوم.
الكاتب: مريم السبلاني