لطالما حاول معادو الجمهورية الإسلامية في إيران، التسويق بأنها نظام يقمع المرأة، ولا يتيح الفرص أمامها لخوض غمار الكثير من المجالات ضمن العلم أو العمل، مشيرين في بعض الأحيان كمثال، الى عدم وجود مراجع تقليد من النسوة.
لكن الواقع في إيران، يثبت أن هناك الكثير من النساء الذين استطعن الوصول إلى مرتبة عليا في العلم والتعليم، حتى في الدراسات الدينية، وفي مقدمتهم السيدة نصرت الأمين، التي استطاعت دحض كل هذه الأقاويل، التي لم يمنعها شيء من أن تصبح عالمة وفقيهة ومحدّثة بحيث تعتبر من أعلام القرن الرابع عشر الهجري.
فما هي أهم وأبرز المحطات في مسيرة وحياة السيدة الأمين؟
_ من مواليد الـ 20 من حزيران / يونيو للعام 1895 في مدينة أصفهان. هي بنت السيد محمد علي “أمين التجار”، صاحب النسب العلمائي من أسرة السادة “خاتون آبادي”، المتصلة بذرية آل البيت (ع). وقد عُرف والدها بتدينه وتقواه وحبه لرجال العلم، كما كان من أكبر تجار أصفهان في ذلك الوقت وله الكثير من المشاريع الخيرية.
_ نشأت في بيتٍ مليء بالإيمان وحب العلم والعلماء، لذلك بدأت بتعلم القرآن الكريم والقراءة وهي في الـ 4 من عمرها، ثم قرأت المقدمات وأوليات العلوم العقلية وجانبا من أوائل الفقه والأصول عند أفاضل علماء عصرها كالشيخ علي اليزدي، والميرزا علي أصغر الشريف، والحاج حسين نظام الدين الكجوئي، والسيد أبي القاسم الدهكردي.
_ بعد إتمامها لمرحلة المقدمات والسطوح، شرعت بدراسة الفقه والأصول العاليين والعلوم العقلية عند كبار الأستاذة كالشيخ محمد رضا الأصفهاني والسيد محمد نجف آبادي، والسيد علي نجف آبادي الذي كان أكثر من استفادت منه علما وعملا.
_أتمت دراستها في العلوم الإسلامية حينما بلغت الـ 40 من عمرها، حيث وصلت إلى مرحلة عالية تؤهلها لاستنباط الأحكام الشرعية. وقد امتحنها كبار فقهاء عصرها بأسئلة كتابية، ردّت عليها بأجوبة قوية أثبتت من خلالها جدارتها العلمية، فكتبوا لها إجازات الاجتهاد، أبرزهم:
1)السيد أبو الحسن الأصفهاني: أكبر المراجع والقيادات الدينية والسياسية في إيران والعراق ما بعد العام 1936.
2)السيد الاصطهباناتي: أحد كبار المراجع في النجف الأشرف.
3)المرجع الشيخ محمد كاظم الشيرازي.
4)الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي مؤسس الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة.
_ كما وصلت الى مرتبة عالية في العرفان، وهذا ما دفع بالسيد هاشم الحداد الى زيارتها خلال إحدى رحله الى إيران.
_ اللافت أنها أكمل مسارها التعليمي وهي داخل بيتها، الذي لم تخرج منه إلا للضرورات. كما أن زواجها وهي تبلغ من العمر 15 عاماً لم يمنعها من تحقيق هذا الهدف.
_ أمضت قضت النصف الثاني من عمرها في التدريس والإفادة وتربية الطالبات الحوزويات، حتى أن بيتها في أصفهان أصبح منتدى للنساء اللواتي يفدن إليها لغرض التعلم والاستفادة منها. واشتهرت داخل إيران وخارجها، حيث عرفها كبار العلماء والفقهاء، وتوطدت العلاقات معهم، بحيث كان البعض منهم يأتي إلى بيتها لأجل التباحث معها في العلوم الإسلامية، أو يراسلوها للاستفسار عن رأيها في بعض الأحكام الشرعية، ومنهم المفسر المرجع السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب موسوعة تفسير الميزان، والشيخ الفيلسوف محمد تقي الجعفري، والشيخ عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة الغدير.
_ تتلمذ عندها العديد من العلماء، الذين أعطتهم إجازة في رواية الحديث عنها، كالمرجع السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، والسيد عباس الكاشاني، والشيخ عبد الحسين الأميني، والسيد محمد علي القاضي التبريزي.
كما كانت تقوم بتدريس العلوم الدينية والتفسير في مركز التبليغ والتعليم الديني، وإلقاء دروس أسبوعية.
_ وصفها المرجع السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في كتابه الإجازة الكبيرة بالـ”العالمة الجليلة المحدثة المتكلمة الفقيهة الأصولية والحكيمة ذات المؤلفات الكثيرة”. وفي كتاب المسلسلات في الإجازات وصفها بالـ “المرأة الجليلة تعدُّ من نوابغ عصرنا وأغاليظ الدهر، ألفيتها عالمة متبحرة في العقليات والسمعيات… وأمر هذه الشريفة مما يقضى منه العجب في هذا العصر، فهي فريدة العصور ونادرة الدهور، حجة على نساء العصر، وآية لبارئ الدهر، والغريب في أمرها مع قيامها بأمر الزوجية وإدارة المنزل وتربية الأطفال، نالت هذه المراتب السامية العالية”.
_ قامت بإعداد العشرات من المؤلفات، منها تفسير مخزن العرفان. كما قامت بتأسيس مدرسة متوسطة للإناث عام 1965، وفي نفس العام أسست معهد السيدة فاطمة الزهراء الذي يقوم بتدريس النساء الفقه والأصول والحكمة والعرفان والفلسفة والأخلاق.
_ قبل انتصار الثورة الإسلامية، حاولت إحدى النسوة التي تدعى “صدّيقة دولت أبادي” الترويج للفكر اللاديني من خلال إنشاء “شركة نساء أصفهان” مع مجموعة من النساء المتشابهات معها في التفكير. لكن السيدة امين استطاعت التصدي لهذه المحاولة من خلال تنظيمها لاجتماعات دينية نسائية وإنشائها لـ “مركز الدعاية والتعليم الديني”، واستطاعت استقطاب الكثير من النساء المتدينات اللواتي اعترضن على أداء الشركة النسائية في أصفهان، ما اضطر “دولة أبادي لإغلاق الصحف التابعة لها.
_ كشف أحد رجال الدين في أصفهان السيد احمد فقيه ايماني، أنه خلال عدة مرات من لقاءاته بالإمام الخميني (رض)، كان الإمام يستفسر عن حالة السيدة أمين وأنشطتها وصحتها. وفي المقابل عندما كنت اذهب الى منزل السيدة امين كانت تسال عن صحة الامام الخميني (رض) وتدعو له بالتوفيق في تحقيق الاهداف المقدسة للإسلام.
كما كانت السيدة أمين تقول عن الإمام الخميني بأنه ذو “علم الإمام، وبأن عرفانه وصل إلى أعلى مستوياته” وعندما تابعت تفسيره لسورة الحمد على التلفاز، قالت بأنه “لان الامام الخميني لديه معارف عالية فانه قد استطاع ان يقوم بهذه الاعمال المحيرة للعقول (وان ينتصر على كل قوى العالم)”.
أما قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي فقد قال ذات مرة بأن تمجيد السيدة الأصفهانية النبيلة [خانم أمين] وإبراز شخصيتها العرفانية والفقهية والفلسفية المتميزة في بلادنا، يبدو بأنه عمل مفيد في اتجاه إحياء القيم الإسلامية لدى المرأة.
_ توفيت في العام 1983 عن عمر ناهز الـ 90 عاماً في أصفهان، ودفنت في جبانة “تخت فولاذ”.
الكاتب: غرفة التحرير