افتتحت اليوم القمة الأميركية-الافريقية التي تعقد في العاصمة الأميركية واشنطن وتمتد لـ 3أيام، من المحادثات حول القضايا المحورية لمستقبل القارة والعالم، على حد تعبير البيت الأبيض، بما في ذلك “الأمن الغذائي وتغيّر المناخ والحروب الأهلية واستكشاف الفضاء الخارجي”. وتأتي هذه القمة بنسختها الثانية، -بعد ان عُقدت الأولى عام 2014- في إطار محاولة الرئيس الأميركي، جو بايدن “استمالة الدول الافريقية” بعد “شبه القطيعة” التي اعتمدها الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي ظل الاحداث الجيوسياسية الأخيرة التي باتت تشكّل مصدر قلق للولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى.
ما بين 4 و6 آب/ أغسطس عام 2014، استضافت واشنطن اول قمة مشتركة مع الرؤساء الافارقة، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، الذي أكد خلال المؤتمر الافتتاحي، ان الروابط الافريقية- الأميركية تعد بالنسبة اليه شأناً شخصياً قبل ان تكون سياسة تخدم واشنطن، وعلى الرغم من ذلك، لم ترقَ العلاقات بين الجانبين إلى المستوى “التنافسي” مع غيرها من العلاقات مع الدول الأخرى التي حجزت لها موطئ قدم في القارة الافريقية، وأولها الصين وروسيا.
منصة The Business Standard، علّقت على هذه القمة، معتبرة انها مساع تحددها المصالح الأميركية لا غير، وقالت في تقرير لها أنه “عندما يتحدث الرئيس جو بايدن إلى القادة الأفارقة، توقع أن تسمع عن دعم الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والالتزامات المالية الجديدة لمنطقة تراجعت في السنوات الأخيرة عن أولويات الولايات المتحدة الأخرى. ولكن ستكون هناك رسالة أخرى غير معلنة على الأرجح: الولايات المتحدة شريك أفضل لأفريقيا من الصين”.
الحضور الاقتصادي الصيني في افريقيا
وفقاً لتحليل مجموعة أوراسيا، عام 2021، وصل حجم التجارة بين الصين وأفريقيا الـ 254 مليار دولار، بينما لم تتجاوز العلاقات التجارية مع واشنطن الـ 64.4 مليار دولار. كما أصبحت بكين أيضاً دائناً مهماً من خلال تقديم قروض بشروط أقل صرامة من المقرضين الغربيين. وهذا ما أثار حفيظة الدول الأوروبية إضافة لواشنطن التي وجهت لبكين اتهامات بشأن ما اسمته “اغراق الدول الافريقية بالديون”. وفيما رفض السفير الصيني، تشين جانج، التعليق على هذه الاتهامات، أشار لحجم التقديمات والمنشآت الصينية، انظر “المستشفيات الصينية، والطرق السريعة، والمطارات، والملاعب موجودة في كل مكان في إفريقيا”.
لا تزال الصين أكبر مستثمر ثنائي في تلك الدول على وجه التحديد، لكن التزامات القروض الجديدة لأفريقيا تراجعت في السنوات الأخيرة مع تزايد الضغوط داخل الصين وخارجها من أجل أن تكون استثماراتها في البنية التحتية أكثر استدامة. كما تدرك واشنطن ان توفيرها قروض بالحجم الذي قدمته بكين للدول الافريقية، لا يعد خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة اليها. ولذلك، تتجه الإدارات الأميركية المتعاقبة على اعتماد استراتيجية “المساعدات المالية”، على الرغم من زعمها تطبيق الشعار الذي كان قد رفعه الرئيس الأسبق، بيل كلينتون: “التجارة بدلاً من المساعدات”.
وفي الوقت الذي أعلن فيه، وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن “الولايات المتحدة ستعلن عن استثمارات لبرامج التبادل للطلاب الأفارقة، ولدعم رواد الأعمال الأفارقة والشركات الصغيرة”، أشارت منصة The Business Standard، ان “الامر لا يتعلق فقط بالنفوذ الاقتصادي، فقد شعرت واشنطن بالقلق من جهود الصين لتأسيس موطئ قدم عسكري على ساحل المحيط الأطلسي في غينيا الاستوائية”.
من ناحية أخرى، يرفض العديد من الرؤساء الأفارقة فكرة أنهم بحاجة للاختيار بين بكين وواشنطن. ويقول سفير إثيوبيا لدى الأمم المتحدة، تاي أتسكي سيلاسي أمدي، في حديث مع وكالة رويترز، “حقيقةً أن كلا البلدين -الصين والولايات المتحدة- لديهما مستويات مختلفة من العلاقات مع الدول الأفريقية يجعلهما على نفس القدر من الأهمية…ومع ذلك، ينبغي أن يكون معروفاً أن كل دولة أفريقية لديها الوكالة لتحديد العلاقة والمصالح الفضلى الخاصة بها”.
بايدن يغامر بجعبة فارغة
لقد تغير الكثير منذ القمة الأميركية- الافريقية الأولى، التي عقدت عام 2014. اذ ان التجارة الصينية مع إفريقيا استمرت في النمو، مسجلة ارقاماً قياسياً وكذلك ديون الدول الأفريقية المستحقة للصين. في المقابل، تضاءلت التجارة الأمريكية مع إفريقيا إلى 64 مليار دولار، أي 1.1٪ من التجارة العالمية للولايات المتحدة، تقريباً.
من ناحية أخرى، برزت روسيا كأكبر تاجر أسلحة في القارة، كما اشارت صحيفة The Philadelphia Tribune، (تصدر من فيلادلفيا وتسلط الضوء على التجربة الأميركية- الافريقية). فيما قامت تركيا ببناء العشرات من المقرات الجديدة، وبدأت الشركات التركية في بناء المطارات والمستشفيات والملاعب الرياضية، حتى في مناطق الصراع غير المتوقعة مثل الصومال. وأقامت الإمارات موانئ على البحر الأحمر وزودت إثيوبيا بطائرات مسيّرة مسلحة وهجومية. وفي ظل كل هذه المتغيرات، لا تزال القضايا التي أعاقت تقدم أفريقيا لفترة طويلة، بما في ذلك الفقر والصراع والفساد، -التي كانت واشنطن قد تعهدت بإيجاد السبل المناسبة لحلها- وهذا ما يعد أمراً مفهوماً وملموساً لدى الدول الافريقية، التي اتخذت قراراً بعدم المبالغة بالانحياز خاصة للولايات المتحدة، ويبقى ان تكون الرسالة نفسها قد وصلت بالفعل لواشنطن، التي لا تزال تحاول ان تكسب معارك الحرب، بتكتيك واحد على الرغم من اثبات فشله على تلك الساحة، والمجهود العظيم الذي قد بذله الخصم بالمقابل، طيلة السنوات الماضية.
في الوقت الذي انقطعت فيه الولايات المتحدة عن الدول الافريقية لـ 8 سنوات، كانت الصين تنتهج سياسة التقارب المستمر والمتواصل مع تلك الدول، اذ انها حرصت على عقد منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين كل 3 سنوات بانتظام منذ عام 2000.
من جهة أخرى، تم تكريم الرؤساء الأفارقة في منتجع على شاطئ البحر، بينما كانت الطائرات العسكرية المعروضة للبيع تنتظرهم خارج القاعة. كما تناولوا العشاء، مع الرئيس شي جين بينغ، في الصين، بعضهم على انفراد، وتلقوا وعوداً باستثمارات بقيمة 60 مليار دولار. وفي تركيا، حصلوا على دعم للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
توسع الصراع الدولي على المصالح العسكرية والتجارية والدبلوماسية في إفريقيا، الذي هيمنت عليه الصين لفترة طويلة، ليشمل قوى أخرى مثل روسيا وتركيا. ومع هبوط طائرات أكثر من 40 رئيس دولة أفريقية إلى واشنطن، يلوح سؤال في الأفق: ماذا يحمل بايدن في جعبته ليقدمه؟ وتقول مديرة قسم أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، موريثي موتيجا، في هذا الصدد: “لقد اعتادت الولايات المتحدة على النظر إلى إفريقيا على أنها مشكلة يجب حلها، لكن منافسوها ينظرون إليها على أنها مكان للفرص، وهذا هو سبب تقدمهم، ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المؤتمر سيغير ذلك”. من جهته، عبّر رئيس الاتحاد الافريقي، ورئيس السنغال، ماكي سال، عمّا يجري بوضوح. وقال في مقابلة في داكار: “عندما نتحدث، غالبًا ما لا يتم الاستماع إلينا، أو على أي حال، ليس لدينا ما يكفي من الاهتمام… هذا ما نريد تغييره. ولا أحد يقول لنا لا، لا تعمل مع فلان، فقط اعمل معنا… نريد العمل والتداول مع الجميع”.