لا شك أن المسألة الكردية اتخذت أبعاداً ومساراً خطيراً في لعبة الأمم، لا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. ولعل صفارات الإنذار التي أطلقت في العواصم المجاورة لبغداد عائد لتطورات حصلت عشية الدخول الأميركي الى العاصمة العراقية، حيث تحرك أكراد العراق لطرد عشرات الآلاف من العرب العراقيين من المناطق الشمالية الوسطى في العراق، عدا عن قيامهم بتحركات في كل من تركيا وإيران، وفي وقت سابق في سوريا.
بعد الغزو الأميركي للعراق 2003 سعى الأكراد إلى “تكريد” شمال العراق، وتثبيت دعائم سلطتهم في كردستان. ومع الغزو، قرر يومذاك آرييل شارون، رئيس وزراء الكيان المؤقت، أنه هناك أضراراً ستسببها الحرب على العراق للموقع الاستراتيجي الإسرائيلي، ويجب حصرها من خلال توسيع العلاقات القديمة القائمة مع أكراد العراق، وتعزيز الانتشار الإسرائيلي في كردستان رغم الكلفة المادية الباهظة لذلك.
مع مرور الوقت، بدأ المئات من عناصر الاستخبارات والجيش الإسرائيلي يتسللوا ويعملون بهدوء في كردستان، ويقومون بتدريب وحدات الكومندوس الكردية، تمهيداً للاصطدام مع باقي مكونات الشعب العراقي، خاصة المعادية للكيان المؤقت. فضلت الاستخبارات الإسرائيلية نسق التدريب المطبق في وحدات الكومندوس الإسرائيلي، ويتضمن في البداية التوغل في صفوف العدو وجمع المعلومات ثم اغتيال القيادات لدى الخصم.
وفرت كردستان العراق قاعدة انطلاق للموساد لتنفيذ عمليات سرية داخل المناطق الكردية في سوريا وإيران بمساعدة الكومندوس الكردي، وقد استطاع الموساد الإسرائيلي نصب مجسات وانظمة تجسس حساسة قرب منشآت نووية إيرانية.
لقد غرَرَ الكيان المؤقت بالأكراد وجعلها يحلمون ب “كردستان الكبرى”، كما كان الاكراد أداة من أدوات المحافظين الجدد وعلى رأسهم وزير الدفاع الأميركي الأسبق بول وولوفوفيتز، في مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولا يغيب عن البال أنه خلال الاستفتاء الذي أجرته كردستان العراق من أجل الاستقلال عام 2017، ظهرت أعلام إسرائيلية في الاحتفالات والتجمعات.
يتوزع الاكراد البالغ عددهم تقريبا الثلاثين مليون على أربع دول؛ هي: العراق سوريا تركيا وإيران. هم يطالبون منذ أكثر من قرن بإقامة دولة خاصة بهم، ومنذ نصف قرن غادر معظم اليهود العراقيون عبر المنطقة الشمالية الكردية نحو الكيان المؤقت. وقد بدأت العلاقات الكردية- الإسرائيلية بين أعوام 1965-1975 أي في فترة انطلاق المعارضة الكردية العراقية.
لا شك أن دغدغة مشاكر الأكراد القومية تشكل خطراً عليهم بالدرجة الأولى، لذلك لابد من التنبه واليقظة لما يحال لشعوب وأقليات الشرق الأوسط في العقل الأميركي والإسرائيلي من مخططات شيطانية لا تخدم تطلعات الشعوب الإسلامية والعربية.
الكاتب: نسيب شمس