خلال حوالي 50 يوماً من الاحتجاجات في إيران، ضخّت الآلة الإعلامية الغربية- الخليجية، كمّاً هائلاً من الأخبار الزائفة، وأجرت آلاف المقابلات والتغطيات الصحفية، حيث وصل عدد ظهور هاشتاغ #مهسا_أميني إلى 60 مليون مرة خلال 7 أيام فقط، في قالب من الدفاع عن الحريات والحقوق. وتزامناً مع انخفاض مستوى التظاهرات في طهران إلى أدنى مستوياته، وفق ما ذكر معهد الحرب الأميركي، كانت الولايات المتحدة تخوض “معركة الحريات” على طريقتها، من خلال تشريع قوانين تجرّم التظاهر في الشوارع والمدن والجامعات…
في أعقاب موجة الاحتجاجات التي أتت بعيد مقتل جورج فلويد في عام 2020، التي يقودها المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام، أدخلت العديد من الهيئات التشريعية في الولايات قوانين للحد من المظاهرات المدنية. وتقول Sravya Tadepalli، الصحفية الأميركية في منصة dailykos، ان “مشاريع القوانين التي تفرض عقوبات إلزامية على الاحتجاجات في حرم الجامعات إلى تلك التي من شأنها أن تفرض مسؤولية المنظمات التي توفر “المال أو الموارد” للأشخاص في احتجاج يخرج عن السيطرة، يحاول المشرعون المحافظون خنق الحق في الاحتجاج. سيكون لهذه القوانين تأثير غير متناسب على نشطاء BIPOC الذين يحاولون لفت الانتباه إلى القضايا التي تواجه المجتمعات المهمشة”.
340 ألف دولار لتمويل قوانين منع الاحتجاجات
منذ كانون الثاني/ يناير عام 2017، وثّقت سلسلة من القوانين المناهضة للاحتجاجات. اذ انها بدأت بداية على مستوى ولاية ووصلت أخيراً إلى المستوى الفيدرالي. وتكشف منظمة “السلام الأخضر” الأميركية عن ان الجمعيات المرتبطة بالشرطة وشركات السجون الخاصة ساهمت بمبلغ 343602 دولارًا لرعاة قانون 2021 المناهض للاحتجاج. حيث أصدرت عدة ولايات مثل كانساس واركنساس قوانين تفرض بموجبها عقوبات -بما في ذلك عقوبة السجن- على الاحتجاجات التي تنظّم بالقرب من أنابيب النفط والغاز. فيما سمح للمدن الواقعة في مقاطعة لودرديل، فرض ضرائب على تصاريح الاحتجاجات وتوسيع العقوبات لتشمل المنظمات الداعمة لها. فيما أقر في ولايتي آيوا وأوكلاهوما، قوانين تمنح حصانة لسائقي السيارات الذين يضربون المتظاهرين أثناء “الفرار من أعمال الشغب”.
ويقول كبير المستشارين القانونيين في المركز الدولي للقانون غير الهادف للربح ICNL، إيلي بيج، ان “هذه مشاريع قوانين تم تمريرها بعد الاحتجاجات وفي كثير من الحالات بلغة صريحة من المشرعين أن الاحتجاجات هي ما يستهدفونه”.
ولوحظ استخدام العبارات الفضفاضة في القوانين التي تم إقرارها. حيث لا وجود لتفسير قانوني واضح لمصطلح “شغب” وماذا يشمل، وغالباً ما يعرّف لدى المشرعين القيميين على اقتراح مثل هذه القوانين، بأنه يعني “مجموعة منخرطة في سلوك هائج وعنيف”، وهذا ما يترك هامشاً مفتوحاً للشرطة للاعتداء على أي متظاهر في الشارع لمجرد مشاركته في تظاهرة حاشدة ترفع الهتافات الغاضبة.
دعم المتظاهرين مادياً قد يترتب عليه مسؤولية جنائية
ظهرت عبارة “material support or resources” وتعني “الدعم المادي والموارد” للمرة الأولى في القوانين الأميركية، بعيد التحقيقات التي أعقبت هجوم 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، التي فرضت خلالها عقوبات على “داعمي وممولي الإرهاب”. واللافت انها تستخدم للمرة الثانية في القوانين التي تضع قيوداً على حركة الاحتجاجات، اذ انها تشمل “الأفراد والجماعات والمنظمات التي تخطط لأعمال الشغب او تُعدّها او تنفذها او تقوم بمساعدتها”. وهذا ما يشي بأن المساهمة في الاحتجاجات او التظاهرات، قد يترتب عليه عقوبات جنائية.
وتنقل منصة ديلي كوس، عن كبير أعضاء جماعة الضغط في فرع أوهايو من الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU)، جاري دانيلز، انه من المرجح ان تؤدي هذه القوانين إلى “تأثير مخيف حيث تتجنب المنظمات المشاركة في المظاهرات العامة بسبب الخوف من المسؤولية”… اللغة غامضة للغاية وواسعة جدًا بحيث يمكنها تقييد جميع أنواع أنشطة حرية التعبير المحمية بطريقة أخرى مع العقوبات المشددة التي تندرج تحت هذا البند…لذلك من المحتمل أن يتم إغلاق مؤسستك وتمت مصادرة جميع أصولها”.
التظاهرات في الحرم الجامعي قد تؤدي للفصل
لم تقتصر محاولات تحديد الحريات على الشوارع والساحات العامة بل انها وصلت إلى الجامعات، التي يعتبرها رواد ودعاة الديموقراطية في الولايات المتحدة مكان انطلاق “الثورات”، اذ عملت آلة الاعلام الغربية طيلة الفترة الماضية، على تأجيج مشاعر الشباب الجامعي في إيران للقيام بالتظاهرات وأعمال الشغب. ففي عام 2021، قدم المجلس التشريعي في إلينوي قانوناً يقضي بفرض عقوبات على المتظاهرين في الحرم الجامعي اتخاذ إجراءات تأديبية إجبارية ضد الطلاب بسبب احتجاجهم على متحدث في الحرم الجامعي.
في تشرين الأول/ أكتوبر، قاطع أعضاء منظمة الموظفين الخريجين في جامعة إلينوي، خطاب المستشار في الجامعة، للاحتجاج على ما اعتبروه نهج الجامعة البطيء في متابعة أمورهم. فيما احتج طلاب UIUC مرة أخرى عندما جاء السياسي الأميركي، مات والش إلى الحرم الجامعي لعرض فيلمه الوثائقي عن رهاب المتحولين جنسياً. وبالتالي، فإنه بموجب هذا القانون المقترح، فإن الطالب الذي شارك في مثل هذه الاحتجاجات أكثر من مرة سيواجه في الحد الأدنى التعليق عن متابعة دراسته أو الطرد لمدة عام. كما اتخذت بعض الجامعات إجراءات ضد الطلاب المتظاهرين دون توجيه من الهيئة التشريعية. بعد أن احتج الطلاب في جامعة فلوريدا في منتدى للأسئلة والأجوبة مع السناتور الجمهوري بن ساسي، الذي وصل إلى المرحلة النهائية في البحث الرئاسي بالمدرسة، أعلنت الجامعة أنها ستبدأ في فرض حظر على الاحتجاجات الداخلية. في جامعة ماركيت، أقال المسؤولون رئيس الحكومة الطلابية وقادة طلاب آخرين من مناصبهم بعد احتجاج على حفل دعوة الطلاب الجدد، فيما كان الطلاب يحتجون على نقص الموارد للطلاب من جنسيات أخرى.
الكاتب: مريم السبلاني