كانت دمشق قديمًا مدينة تجارة عالمية، تأتي القوافل الصينية المحملة بالأواني الخزفية والبهارات الهندية، وتأتي القوافل الأوروبية محملة بالجلود، والأفريقية التي كانت تحمل الذهب والأحجار الكريمة، ليتم تبادل تلك البضائع على أرض الشام، كان هذا الطريق يمرّ عبر آسيا الوسطى، وهو اليوم يسير على نفس الجغرافيا، حيث سيتمّ بناء سكك حديدية لربط آسيا الوسطى بمجموعة شبكات، واحدة منها ستصل إلى إيران ومنها ستنقسم في اتجاهين. اتجاه إلى أوروبا يذهب عبر تركيا، واتجاه آخر نحو أفريقيا عبر العراق ومن ثم سوريا عبر دمشق تحديدًا. ولاحقًا سيتمّ وصل مدينة نيوم السعودية قيد الإنشاء بمصر عبر جسر يصل آسيا بأفريقيا، ومن ثمّ تشبيك هذه السكك بالموانئ التي طورتها الصين حول القارة الأفريقية لتكتمل الكماشة الصينية حول القارة السمراء. إلى ذلك فإن سوريا أيضًا موجودة في خيط اللؤلؤ، وهي مبادرة سلسلة موانئ ممتدة من شرق آسيا حتى موانئ شرق أفريقيا.
الغرب يضع العراقيل في سوريا
طبعًا لم يكتفِ الغرب بوضع العراقيل، رغم أن ردّه خلال السنوات الماضية اقتصر على التشكيك بنوايا الصين حول المبادرة، وأحيانًا إبداء الاستعداد للمشاركة فيها، مثلما صرّح ماكرون في يناير كانون الثاني من العام 2018 أمام مجموعة من الأكاديميين ورجال الأعمال في مدينة شيان في الصين وهي نقطة البداية الحقيقية لطريق الحرير القديمة، بأن “هذا الطريق القديم لم يكن خطًا صينيًا فقط، فتلك الطرق بتعريفها لا يمكن أن تقوم إلا على المشاركة، وإذا كانت طرقًا فلا يمكن أن تكون في اتجاه واحد”.
حاول الغرب إطلاق مبادرات منافسة، عندما اقترح بايدن في اجتماع G7 في حزيران 2021 أسماها “إعادة بناء عالم أفضل”، إلا أنّ ألمانيا مثلا ترتبط بمصالح اقتصادية مع الصين التي أصبحت أكبر سوق للسيارات الألمانية في العالم. أما إيطاليا فهي أول عضو بالناتو ومسجلة رسميًا بأنها جزء من المبادرة الصينية، وعليه فإن القمة لم تخرج بأي نتائج، ردت الصين بتصريح قوي إذ قالت لا يمكن لمجموعة دول أن تقرر مصير العالم. وعلى غرار بايدن قدمت رئيسة المفوضية الأوروربية أورسولا فون دير لاين “مبادرة البوابة العالمية” منتصف أيلول 2021، والتي تقدم وعودًا باستثمارات أوروبية كبيرة في البنية التحتية لدول العالم النامي في مواجهة المبادرة الصينية، وذلك من خلال إنشاء روابط وليس تبعيّات كما اعتادت مع دول العالم الثالث. وهنا يبدو أن أوروبا في تعاملها مع الصين تضطر من أجل منافستها للتخلي عن المعايير والقيم، ولا ضير في الاقتراب أكثر من المقاربة الصينية بعدما أثبت النموذج الغربي فشله في السياسة الخارجية. إلا أن الفيتو الأمريكي وتبعية الغرب للقرار الأمريكي يضع عراقيل في وجه هذه المبادرة في سوريا، البلد الذي يقع اليوم في البرزخ الاقتصادي على الرغم من أهميته القصوى في الاستراتيجيا، بانتظار الرهان الأمريكي على سقوط النظام.
مباحثات سورية صينية في البنى التحتية لمبادرة “الحزام والطريق”
عام 2019 وفي 16 كانون الأول يناير، صرّح الرئيس بشار الأسد لقناة فينيكس الصينية أن سوريا باتت جاهزة للبدء بإعادة الإعمار، بعد استعادة السيطرة عل معظم أراضيها. وبعدها الصين كانت الدولة الوحيدة التي قامت بإيفاد وزير خارجيتها لتهنئة الرئيس بشار الأسد عشية أداء اليمين الدستورية عقب انتخابات 2021.
في تلك الزيارة، أكد الموفد الصيني على حرص بلاده لتذليل كل الصعوبات للتعاون في سوريا، وأجرى مباحثات لإطلاق مرحبة جديدة من التعاون بين البلدين تشمل ستة مشاريع اقتصادية استراتيجية تمّ التفاهم عليها سابقًا، تدور حول مشاريع حيوية في البنى التحتية تتفرّع عن مبادرة “الحزام والطريق”.
بكين معنية بإعادة إعمار سوريا
أهمية الجغرافيا السورية بالنسبة للصين يجعل بكين معنية باستقرار سوريا بشكل مباشر. وعدا عن كون جزء من طريق الحرير سيعبر الأراضي السورية، فإن معظمه سيكون ضمن محيطها الجيوسياسي، وعلى الرغم مما يبدو من ضعف للنفوذ الأمريكي في سوريا إلا أنّ تأخر البدء بمشاريع إعادة الإعمار يطرح علامة استفهام لفهم التعقيدات السياسية والأمنية التي تعرقل الحضور الصيني.