ازدادت أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للصين، وأهمية بكين للمنطقة بشكل كبير منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق رسميًا في عام 2013. تحاول حكومة الكيان المؤقت تظهير أن الشراكة مع الصين هي شراكة اقتصادية تكنولوجية، في حين تتخوف واشنطن من مشاريع البنية التحتية التي تستثمر فيها الصين في موانئ فلسطين المحتلة التي تشرف على الأسطول الأمريكي السادس، ومن مبادرة الحزام والطريق التي تُفقدها نفوذها وخاصة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ إدارة بايدن أصدرت قرار منع التعامل مع الشركات الصينية وفرضته على حلفائها، عدا عن قدرتها على تعطيل المشاريع الصينية في مناطق نفوذها، إلا أنها تبدو مرنة إلى حدّ كبير لناحية الضغط على حكومة الاحتلال لاختيار إحدى القوتين على مبدأ “إما معي وإما ضدي”، خاصة أن الكيان الإسرائيلي هو كيان أمريكي مصطنع في المنطقة.
علاقة اقتصادية أم شراكة استراتيجية
نما نطاق مبادرة الحزام والطريق، وأصبح مشروعًا أوسع وأكثر غموضًا، حيث أضافت بكين طريق الحرير الرقمي، وطريق الحرير الصحي، والحزام الأخضر والطريق، وكلها ليست مرتبطة جغرافيًا. في آذار / مارس 2017، أثناء الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى بكين، أعلن الرئيس شي جين بينغ عن شراكة شاملة مبتكرة مع الكيان الاسرائيلي، وهي تسمية للعلاقة التي أشارت إلى المصلحة بين البلدين باعتبارها علاقة اقتصادية وتكنولوجية وليست شراكة إستراتيجية. قال الرئيس شي في محادثة هاتفية في تشرين الثاني /نوفمبر 2021 مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، “أصبح الابتكار بمثابة العلامة المميزة، ومفعِّلة للعلاقات الثنائية بين البلدين”.
تطوير وتشغيل الموانئ
موقع فلسطين المحتلة الاستراتيجي لمبادرة الحزام والطريق، الواقعة بين أوروبا وآسيا وبين الشرق الأوسط وإفريقيا، يبدو أنه محطة صغيرة ولكنها أساسية على خط البحر المتوسط، تربط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر خليج العقبة وقناة السويس، على سبيل المثال، عبر مشروع ما يسمى سكة حديد السلام، أو سكة حديد ميناء إيلات-أشدود. تشارك الشركات الصينية بشكل متزايد في الموانئ البحرية والسكك الحديدية والنقل ومشاريع البنية التحتية الرئيسية الأخرى للكيان الإسرائيلي المرتبطة بالأرباح الاقتصادية الكامنة. وتختلف مشاريع الاتصال عبر الحدود عن الأنشطة الأخرى المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، بالنظر إلى أن مشاريع الاتصال – جوهر رؤية مبادرة الحزام والطريق كل ذلك سيجبر الصين على المخاطرة لتأمين الطريق.
وفقًا لـ China Global Investment Tracker (2021)، بلغت استثمارات الصين وأعمال البناء على الأراضي المحتلة من 2013 إلى 2021 13.2 مليار دولار. قطاعات الاستثمار الرئيسية هي 4.4 مليار دولار في التكنولوجيا الفائقة، و2.9 مليار دولار في الزراعة، و4 مليارات دولار في النقل.
استثمارات أعلى بكثير من الأرقام الموثقة
تعمل أكثر من ألف شركة إسرائيلية في الصين، وتسعى لاستغلال قدرة الصين على تصنيع التكنولوجيا. الصين مهتمة بالتكنولوجيا المتقدمة وتسعى لها، بينما تبحث الشركات الإسرائيلية عن فرص توسيع السوق. كانت الغالبية العظمى من استثمارات الصين وعمليات الاندماج والشراء في إسرائيل في قطاع التكنولوجيا بقيمة 9.138 مليار دولار تقريبًا. أهم الأصول موجودة في قطاع علوم الحياة التكنولوجيا الحيوية والتقنيات الطبية والأدوية والكيمياء الحيوية، تليها الاستثمارات في تطوير البرمجيات وشركات تكنولوجيا المعلومات. تستثمر جمهورية الصين الشعبية أيضًا في شركات في قطاع الإنترنت والرقائق والاتصالات وأشباه الموصلات. أخيرًا، تم إجراء استثمارات صينية في صناديق رأس المال الاستثماري الإسرائيلي والشركات في صناعة التكنولوجيا النظيفة مثل التقنيات الخضراء وتقنيات المياه.
الواقع أن المبالغ المستثمرة في صناعة التكنولوجيا الفائقة لا تكون مرئية دائمًا ويتم الإبلاغ عنها، غالبًا ما يتم دمجها في إجمالي الاستثمارات التي قام بها العديد من المستثمرين المختلفين في جولة واحدة، وبذلك يصعب تحديد الاستثمارات الصينية في مجال التكنولوجيا العالية الإسرائيلية، وبالتالي يبدو أن الاستثمار الصيني في قطاع التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلي أعلى بكثير من الأرقام الموثقة.
منذ عام 2014، كان هناك ارتفاع في الاستثمارات الصينية في الكيان، إجمالي الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية من 2007 إلى 2020 بلغ 9.1 مليار دولار. وبلغت هذه الاستثمارات ذروتها في عام 2018، ثم بدأت بالتراجع. يبدو أن هذا التراجع مرتبط بتحديد سقف تعاون مع الصين من قبل الولايات المتحدة، وأن الشركات الإسرائيلية تخشى إدراجها في القائمة السوداء في السوق الأمريكية، بسبب حساسية الولايات المتحدة للتعاون التكنولوجي مع الصين، حتى لو لم تكن هناك تقنية متعلقة بالدفاع.
الولايات المتحدة والتحديات الأمنية
جميع الشركات الصينية التي تستثمر أو تبني مشاريع بنية تحتية كبرى في إسرائيل لها علاقات مع الحكومة الصينية أو الكيانات العسكرية أو القوات المسلحة. ومن المحتمل أن يكون لأي شركة كبيرة الحجم وتنشأ في جمهورية الصين الشعبية روابط غير رسمية أو رسمية بالحكومة الصينية، ومن المتوقع أن تتعاون مع أجهزتها الاستخباراتية والأمنية. وبالطبع فإن واشنطن لن تقبل بنقل التكنولوجيا المتعلقة بالدفاع الأمريكي إلى بكين، ولديها مخاوف من أن الصين قد تحصل على تقنيات أو تجمع معلومات استخبارية لتهديد الأمن القومي للولايات المتحدة في المجال السيبراني، والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، والذكاء الاصطناعي والروبوتات.
في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدى التعاون بين الصين والكيان الإسرائيلي في صناعة طائرات فالكون وهاربي بدون طيار إلى تغذية التوترات في العلاقات الدفاعية بين واشنطن وكيان الاحتلال، وأدى إلى ما يبدو بحكم الواقع، الفيتو الأمريكي على مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الصين. ومن المثير كشف المصادر الإسرائيلية ما ورد أن اللجنة الاستشارية بشأن الاستثمارات الأجنبية لا تملك السلطة لمراجعة الاستثمارات الصينية في قطاعات التكنولوجيا الفائقة. وهي لجنة أنشئت على خلفية الضغوط الأمريكية بشأن الاستثمار الصيني. وقال مسؤول دبلوماسي إسرائيلي كبير مؤخرًا إن إسرائيل ستطلع الحكومة الأمريكية على أي اتفاقيات بنية تحتية وتكنولوجيا كبرى مع الصين وستعيد النظر فيها بناءً على طلب واشنطن.
معايير الصين أم معايير الولايات المتحدة
يرى الإسرائيليون أن اتفاقيات التطبيع وانفتاح الدول العربية المتزايد للانضمام لها، شجّع الصين على الممرات الجديدة بين الدول العربية وكيان الاحتلال، والتي يمكن استخدامها كمحور جديد للربط المباشر بين الخليج والبحر الأبيض المتوسط. ويعوّل الاسرائيليون اليوم على التطبيع مع السعودية باعتباره اندماج إسرائيلي مكتمل في مبادرة الحزام والطريق. وعلى الرغم من كلّ التهديدات الأمريكية بشأن العلاقات مع الصين إلا أن ما يبدو من سلوكيات في إدارة الملف من قبل الكيان المؤقت، يوحي بهامش أمريكي وموافقة ضمنية. وهو الأمر الذي يثير التساؤلات حول معايير السياسة الأمريكية في المنطقة، فهي تحارب الصين من جهة وتضع قوانين لمقاطعتها، لكنها تغضّ الطرف عن الاستثمارات الصينية المتنامية في الكيان الإسرائيلي، ربما لأنها تعلم جيدًا حاجة الإسرائيليين للاقتصاد الصيني في معركة البقاء. ومن جهة أخرى ليس معلومًا سبب الاستثمارات الصينية الخجولة في سوريا التي لا تملك فيها أي نفوذ.
أما الحديث عن أن الصين لا تستثمر إلا في الدول المستقرة، فهذه استراتيجية قديمة تغيّرت مع التطورات العالمية الجديدة، خاصة أن الكيان الإسرائيلي محاط بأعداء مسلحين، في غزة ولبنان، بالإضافة إلى المقاومة في الداخل الفلسطيني.
الكاتب: زينب عقيل