في العاشر من كانون الثاني / يناير من العام الماضي 2022، كانت صحراء النقب على موعد مع هبّة شعبية، خرج خلالها البدو الفلسطينيون ضمن تظاهرات وفعاليات لمواجهة مخططات كيان الاحتلال التهويدية من تشجير وبناء الأحراش وتهجير مزيد من السكان. ومع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو التي تسلّم فيها اليمين المتطرّف أهم المناصب والحقائب الوزارية تعود النقب الى دائرة الاستهداف الإسرائيلي الاستيطاني.
مخططات بن غفير في النقب
خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة في شهر كانون الأوّل الماضي وضع رئيس حزب “عوتسما يهوديت” ايتمار بن غفير على أن يحصل حزبه على وزارة النقب والجليل للمضي بالائتلاف. وفي التشكيلة الحكومية تسلّم هذه الحقيبة يستحاك فسرلاوف الذي يعتبر الرجل الثاني في هذا الحزب.
بعد تشكيل الحكومة وتولي بن غفير منصب وزير الأمن، أعلن عن نيّته افتتاح مكتب له في بئر السبع، زاعماً “أنوي الإقامة هناك مرة كل بضعة أيام لمراقبة العمل في المنطقة الجنوبية من كثب”، الى جانب نقل عدد كبير من قوات “حرس الحدود” و”القوات الخاصة” في جيش الاحتلال من الضفة الغربية المحتلّة الى النقب. وقد قام خلال الفترة القصيرة منذ تشكيل الحكومة بجولات ميدانية في الصحراء جنوب فلسطين المحتلّة.
بالإضافة الى ذلك، تضع حكومة اليمين المتطرف من بين مخططاتها التهويدية خطة لزيادة الاستيطان في التقب عبر إقرار “خصومات على شراء الأراضي” حسب ما اشارت صحيفة هآرتس العبرية الشهر الماضي. كذلك سيستغل بن غفير نفوذه في ما يسمى “وحدة شؤون الطبيعة والحدائق” و”هيئة سلطة الأراضي الإسرائيلية ” بعد نقلهما الى صلاحيات وزارة الأمن من أجل تأمين مزيد من التسهيلات لتوسيع الاستيطان في النقب.
كما سيتقدّم حزب “الصهيونية الدينية” الذي يشمل حزب بن غفير ويتزعمه اليميني المتطرّف بتسلائيل سموتريتش باقتراحات لتوسيع صلاحيات “قانون لجان القبول” الذي يسمح بتهجير الفلسطينيين من النقب تحت ذرائع “عدم الملاءمة للحياة في المجتمع المحلي” أو “مخالفة النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع”. الى جانب مخططات أخرى تتعلّق بالتعليم وتنمية الصناعة.
غزّة لم تغب عن النقب
رفعت قبائل البادية في قطاع غزة شعار “من غزة إلى النقب شعب واحد” ضمن فعالية نظمتها شرقي القطاع في لإحياء الذكرى السنوية الأولى على هبّة النقب. وأكدت القبائل أن “تهديدات بن غفير العنصرية لن ترهب أهالي النقب”. وبدورها دعت حركة حماس “المنظمات الحقوقية وأصدقاء فلسطين حول العالم إلى مزيد من تسليط الضوء على معاناة أهلنا في النقب والداخل المحتل، الذين يتعرّضون لانتهاكات عنصرية فاشية ممنهجة، تستدعي الإدانة والتجريم والملاحقة القضائية في المحافل الدولية”.
النقب… عقود من الاستهداف الاستيطاني
شكّلت صحراء النقب محطّ اهتمام مؤسسي كيان الاحتلال على أرض فلسطين المحتلّة ومن أهمهم دايفيد من غوريون الذي زعم أنه “إذا لم نصمد في الصحراء، فستسقط تل أبيب”، واتخذ منها مكان لاستيطانه. كما ادعى في خطاب له في “الكنيست” عام 1951 أن النقب هي “مشروع الأمة” لتبدأ المخططات الممنهجة والمشرعنة تستهدف هذه الصحراء وأهلها وأراضي سكانها الذين تهجروا مع الاحتلال عام 1948، وهم حوالي الـ 100 ألف بدوي فلسطيني.
سلسلة من المخططات الاستيطانية عانى منها النقب خلال العقود الماضية، فأواخر السبعينيات أسس أرائيل شارون ما يسمى وحدة “الدوريات الخضراء” التي صادرت المواشي وهدمت خيام البدو الفلسطينيين وفرضت عليهم غرامات مالية بزعم “الرعي في مناطق عسكرية مغلقة”. وتابع شارون حين وصل الى رئاسة الحكومة عمله الممنهج في العام 2003 أقرت ما تسمى بـ “خطة شارون” التي هدفت الى السيطرة على أراضي الفلسطينيين وحصرهم في 7 بلدات.
في العام 2005 أقرّت حكومة الاحتلال ما ادعت انه “الخطة القومية الاستراتيجية لتطوير النقب” والتي تهدف الى زيادة عدد المستوطنين الى نحو الألف وان لا تُبقي أكثر من 200 ألف نسمة من الفلسطينيين في النّقب. وفي العام 2011، عملت حكومة الاحتلال على مخطط لإقامة 100 مزرعة جديدة، الى جانب 41 مزرعة فردية أسسها المستوطنون، مقدّمة “حوافز” لاستقدام مزيد من المستوطنين عبر منحهم 80 دونماً مجاناً مقابل موافقتهم على الانتقال الى النقب.
في العام 2015، وسّع الاحتلال من استهدافه للنقب حيث بدأ بنقل القواعد العسكرية للجيش. ثمّ في العام 2020 بدأ الاحتلال بمخططات “التشجير وبناء الأحراش” التهويدية عبر ما عرف الصندوق القومي اليهودي، كاكال” واستمرت الحملات في العام 2021 الى أن انفجرت الأوضاع عام 2022.
الكاتب: غرفة التحرير