حالة من عدم اليقين واحتمالات خطيرة للغاية سببها أزمة سقف الديون الأمريكية. من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى حد الاقتراض الأقصى يوم الخميس المقبل 18 يناير/ كانون الأول، مما يجبر الحكومة على البدء في استخدام “إجراءات استثنائية” لمنع التخلف عن سداد ديونها، ذلك أن الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة من شأنه أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه على الاقتصاد الأمريكي بحسب وزارة الخزانة الأمريكية، والأخطر، سيتسبب بأضرار على الاستقرار المالي العالمي، لأن سوق سندات الخزانة الأمريكية هو حجر الأساس للنظام المالي العالمي.
استقطاب إلى حافة الهاوية
الواقع أن ما يزيد الوضع خطورة، هو استخدام هذه الورقة في الاستقطاب السياسي في الكونغرس الذي بدأ يستدعي أزمات هي آخر ما يحتاجه العالم اليوم. فهؤلاء، أي الجمهوريون والديموقراطيون، يلعبون لعبة حافة الهاوية ويقامرون بالتخلف عن سداد الديون للحصول على مكاسب سياسية، وإذا وقعوا فيها، سيدخل العالم في أزمة مالية عالمية وكساد عظيم. “لو عطست أمريكا، فإن العالم يمرض”. يقول المثل الشائع في النظام العالمي الحالي.
يلعب الأمريكيون هذه اللعبة في الوقت الذي يعانون فيه من خروقات أمنية في البنى التحتية تُقيَّد ضدّ مجهول، وفي ظل التمييز العنصري المتزايد بين البيض والسود، وحرب تقودها بالوكالة مع دولة نووية كبرى وهي روسيا، بالإضافة إلى تحديات بايدن لعام 2023 وعلى رأسها الحفاظ على سعر برميل النفط العالمي.
التطلع إلى الجمهوريين المعتدلين
سقف الدين هو الحد القانوني الذي يمكن للولايات المتحدة من خلاله الاقتراض لسداد التزاماتها الحالية، بما في ذلك الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ورواتب العسكريين. ويشمل المبلغ حوالي 24.5 تريليون دولار، بالإضافة إلى ما يقرب من 6.9 تريليون دولار التي اقترضتها الحكومة من نفسها.
المسار المشحون بزعامة الحزب الجمهوري وحصول المتشددين على منصب المتحدث باسم الكونغرس، أدى إلى تمكين المحافظين المتشددين الذين يريدون توظيف سقف الدين، للحصول على تنازلات سياسية من بايدن بشأن الإنفاق الحكومي، وهو الأمر الذي يجعل من الصعب على بايدن أن ينجح في الانتخابات المقبلة، في حال تخلّف عن أجندته في الانفاق الاجتماعي الذي يقدّر ب 3.5 ترليون دولار لدعم المجتمع. من هنا بدأ مسؤولو البيت الأبيض في التطلع إلى الجمهوريين المعتدلين الذين قد يساعدون في صفقة لرفع حد الديون.
إدارة بايدن ترفض أي شروط من هذا القبيل. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحفيين “لن تكون هناك مفاوضات بشأن ذلك هذا شيء يجب القيام به”. وقالت: “إن الفشل في الوفاء بالتزامات الحكومة من شأنه أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه للاقتصاد الأمريكي، وسبل عيش جميع الأمريكيين، والاستقرار المالي العالمي”.
خطة الجمهوريين
كانت الخطة جزءًا من صفقة خاصة تم التوصل إليها هذا الشهر لحل المواجهة بين المحافظين في مجلس النواب والنائب كيفن مكارثي بشأن انتخاب رئيس مجلس النواب. في المراحل الأولية من الصياغة، سيدعو اقتراح الحزب الجمهوري إدارة بايدن إلى تسديد المدفوعات الفيدرالية الأكثر أهمية فقط. على سبيل المثال، من شبه المؤكد أن تدعو الخطة الإدارة لمواصلة سداد مدفوعات الفائدة على الدين، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست التي أوضحت أن أولويات الدفع الخاصة بالجمهوريين قد تنص أيضًا على أن وزارة الخزانة يجب أن تستمر في سداد مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ومزايا المحاربين القدامى، بالإضافة إلى تمويل الجيش.
ستكون مثل هذه الخطوة غير مسبوقة ومثيرة للجدل بشكل كبير، وحتى إطلاق الخطة قد يتحول إلى مسؤولية سياسية كبيرة على الحزب الجمهوري، إذ يحمي الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية ومزايا المحاربين القدامى والجيش لكنه يترك قطاعات ضخمة من النفقات الفيدرالية الحرجة على أشياء مثل Medicaid وتفتيش سلامة الأغذية ومراقبة الحدود ومراقبة الحركة الجوية، على سبيل المثال لا الحصر. ومن المرجح أيضًا أن يتهم الديمقراطيون الجمهوريين بإعطاء الأولوية للمدفوعات لحاملي السندات الأمريكية – بما في ذلك البنوك الصينية – على المواطنين الأمريكيين.
خطر في كل الأحوال
يلعب الأمريكيون اليوم لعبة مقامرة سياسية سيتأثر بها العالم كله، خاصة أن ما يحصل يأتي في لحظة عالمية حساسة جدًا، وسينسحب تأثيره على كل الدول التي فرضت عليها الولايات المتحدة أن تضع لديها احتياطياتها، هذا على المستوى الخارجي. أما على المستوى الداخلي، فلو تخلفت الحكومة عن سداد ديونها الفيدرالية، وانخفض ائتمانها، سيتم مثلا استغلال دفع الديون للخارج وتأليب الشارع من قبل الديموقراطيين. حيث سيعتبر الرئيس أن الكونغرس يتعمّد أن تتعثر الدولة، فيدفعه ذلك إلى تعديلات في الدستور حول المادة التي تمكن بايدن من تجاوز الكونغرس، والتي تعتبر محل خلاف قضائي، قد يتحول إلى خلاف شوارعي في ظل الاستقطاب السياسي الحاد في الولايات المتحدة.
الكاتب: زينب عقيل