رجل صلب وعنيد، تلك هي أولى الصفات التي تسمعها إن ما سألت عن القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر عدنان. ربما هما صفتان متأصلتان في “عدنان” مكّنته من تحمّل مشاق الاعتقالات والتحقيقات في سجون كيان الاحتلال. وربما تكون مكتسبتان بفعل وحشية الانتهاكات التي تعرّض لها، والتي جعلت منه قادرًا على تحمّل أصعب معارك الأسرى: معركة الأمعاء الخاوية، التي خاضها مرّات سابقًا ويستمر فيها حاليًا منذ 75 يومًا. حتى بات معروفًا أن اعتقال “عدنان” يعني بدأ المواجهة داخل السجن، “زاره محامي أم لم يزره، تمت تغطية الإضراب بالإعلام أم لا”.
“عدنان”، من مواليد 24 آذار / مارس عام 1978، وهو ناشط سياسي في الضفة الغربية المحتلّة وخاصة في مسقط رأسه في جنين. لا يترك قضية تخص الشعب الفلسطيني الا وقد رفع صوته بها. يشارك بل ويقود الحِراكات الشعبية لنصرتها، محرضًا على المقاومة ومواجهة الاحتلال بكلّ الطرق.
اختار “عدنان” طريقته أيضًا، فوُصف بـ “مفجّر معركة الأمعاء الخاوية”، منطلقًا من جملته التي قالها في إحدى المرات التي خاض بها الإضراب عن الطعام “أنا ولدت حراً ولن أذهب إلى السجن طواعية واحتجاز حريتي واعتقالي هو اعتداء على هويتي”.
عدنان يكسر إجراءات الاحتلال
رفض “عدنان” ظلم الاعتقال الإداري، متحديًا الاحتلال واجراءاته. ليكون صاحب علامات مهمة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الأسيرة، خاض 5 إضرابات عن الطعام ضد الاعتقال الإداري وانتصر في كلّها، وأجبر الاحتلال على إطلاق سراحه بشروطه هو”، حسب ما أكّد مسؤول ملف الأسرى في حركة الجهاد الإسلامي والمدير العام لمؤسسة “مهجة القدس للشهداء والأسرى”، الدكتور جميل عليّان في حديث خاص مع موقع “الخنادق” بشأن قضية الأسير عدنان.
تابع عليان، “في إضرابه الحالي يواصل الأسير عدنان الاعتراض على الاعتقال الأمني بتهم ملفّقة. كما كسر “روتينًا” جائرًا لدى الاحتلال، وهو أنّ الأسير عدنان أجبر الاحتلال مرّة على إطلاق سراحه بعد شهر واحد فقط من اعتقاله الإداري، وتلك كانت سابقة أن يفرج الاحتلال عن أسير إداري بعد شهر فقط. في كلّ المرات التي كان يضرب فيها عن الطعام كان لا يتنازل”.
وأوضح د. عليان أن “الاحتلال يعتقل اليوم الأسير عدنان، اعتقالًا تعسفيًا عبر تهم ملفقة من أجل سحب البساط من تحته، الا أن عدنان قرّر المواجهة بالإضراب مرّة جديدة، فأدرك الاحتلال أنه في مأزق. ونستشف من حديث المدعي العام والمحامين الموكلين بالدفاع عن الأسير عدنان أنّ النيابة العامة مأزومة وتبحث عن مخرج، فهي صاغت لائحة اتهام ولا تستطيع تجاوزها، كذلك مصلحة السجون في مأزق، وتحاول أن تتهرّب من مسؤولية الموضوع وترمي بها على المستوى السياسي. مشيرًا الى أنّ “ذلك ما أحدث إرباك في أوساط الاحتلال لأنها تدرك أن المساس بحياة الأسير عدنان قد يفلت الأمور من يدها ويقلب الطاولة. كما أن الاحتلال أمام هيبة انهارت بفضل الانتصارات السابقة للأسير عدنان، وبالتالي هناك معركة حقيقية، تدرك الجهاد الإسلامي أبعادها”.
لماذا يستهدف الاحتلال عدنان؟
حول دور القيادي عدنان، شرح د. عليان أنه كان أحد الأسباب الرئيسة والهامة في الحالة الثورية ووجود كتائب المقاومة، التي تنشر في الضفة الغربية الآن. فهو جاب بكل أنحاء الضفة من شمالها الى جنوبها، ومن غربها الى شرقها، يبشر بالثورة، يتعاطف مع الثوّار، مع الأسرى، مع عائلات الشهداء والأسرى، وبالتالي شكّل نموذجًا وحالة ثورية حقيقية أثمرت ما يحدث الآن في الضفة. وتمسّك بعلاقاته القوية بكل الفصائل.
وأضاف، الشيخ عدنان كان له الدور الكبير في مناصرة المقاومة ورأينا عامودًا من أعمدة المقاومة في جنين. فقد كان لموقع “الخنادق” حديثًا مع القيادي عدنان حول جنين ومخيمها وبدايات انطلاق المقاومة منه وعن كيفيّة تعزيز روح الإرادة لدى المقاومين لمواجهة الاعتقالات.
“لذلك حاول الاحتلال مرارًا أن يعمل على تشويه صورته، لكن كلّ ذلك لم يثنِ عدنان عن مواصلة دوره، فأصبح من أهم القامات الوطنية الفلسطينية. اعتقد أنّ الشيخ عدنان في السنوات العشر الأخيرة، منذ 2012، كان الشخصية الأكثر حضورًا في إعادة أحياء قضية الأسرى، عندما يكون حرًّا من خلال الحراك أو من خلال الاضراب عن الطعام تنديدًا باعتقاله”، وفق د. عليان.
الوضع الحالي لعدنان
في آخر الأوضاع، أفادت زوجة الأسير رندة موسى، أن الاحتلال نقل عدنان الى مكان مجهول، بعد التدهور الحاد في وضعه الصحي. فهو كان يتقيّأ باستمرار، وقد وضع وصيته عند زوجته التي منعها الاحتلال من زيارته قبل أن ينقل الأسير الى “مشفى مجهول ونخشى أن يكون قد خضع لتغذية وعلاج قسريان”.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم هيئة شؤون الاسرى والمحررين حسن عبد ربه، “إن الاحتلال نقل الشيخ خضر عدنان لأكثر من عيادة لرفضه التغذية والعلاج وبالأمس نُقل إلى أحد مشافي الاحتلال لخطورة وضعه الصحي. فهو يرفض أي مدعمات أو مقويات ويرفض إجراء الفحوصات الطبية ويطالب بالحرية دون قيد أو شرط”.
وبحسب جمعية واعد للأسرى، فإنّ “الحالة الصحية للأسير آخذة بالتدهور بشكل حاد وملحوظ وأي مضاعفات طارئة ستعرضه للاستشهاد بشكل مباشر”.
كيف ستتعامل “الجهاد الإسلامي” مع قضية عدنان؟
أجاب د. عليان في حديثه مع “الخنادق” أنّ “حركة الجهاد الإسلامي ستتعامل مع أي محاولة الحاق الضرر بحياة الأسير خضر عدنان، بكل أدوات القوّة التي تملكها، من ضغط شعبي في الضفة وغزّة، الأدوات الإعلامية، المجتمع الدولي والقانون. مشددًا “أنّ الحركة لن تتوانى عن استخدام كل الطرق والساحات التي يمكن أن تخدم قضية الأسير عدنان وتنصره وتحرّره، فهي لن تترك الأسير عدنان، كما لم تترك أسراها أو أي فرد من الشعب الفلسطيني سابقًا وحاضرة للدفاع عنهم”. وفي السياق أيضًا، دعا القيادي في حركة خالد البطش “الشباب الثائر في الضفة للتحرك الشعبي لتضييق الخناق على المستوطنين في كل مكان دعما ومساندة للأسير عدنان”.
فيما أكّد د. عليان “نحن أمام معادلة جديدة ثبتتها الجهاد الإسلامي وكلّ قوى المقاومة في المنطقة، ويدركها الاحتلال، وهي ضد القتل ضد المساس بالمقدرات والقيادات الفلسطينية. لن نسمح للاحتلال بالتفرّد به وبالتالي إنّ معركة خضر عدنان هي معركة الجهاد الإسلامي”. بدورها أوضحت زوجته أنّ “عدنان يخوض اليوم معركة الكل الفلسطيني لكسر جبروت السجّان وهذا ما لا يريده الاحتلال الذي يرفض تكريس معادلات جديدة”.
عدنان ينتصر في 5 معارك
_ عام 2005، خاض عدنان إضراباً مفتوحاً عن الطعام لمدة 12 يوماً رفضًا لعزله في سجن “كفار يونا”، ولم يوقف إضرابه إلا بعد أن نقلته مصلحة السجون الى القسم العادي مع الأسرى الآخرين.
_ اعتقل الاحتلال عدنان في 17 كانون الأول / ديسمبر 2011 ثمّ أجبر الاحتلال على إطلاق سراحه في نيسان / أبريل 2012، بعد تدهور وضعه الصحي بسبب تدهور وضعه الصحي جراء الإضراب عن الطعام مدّة 66 يومًا.
_ عام 2015، انتزع عدنان بفعل معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها لمدّة 52 يومًا “تعهدًا” بعدم اعتقاله إداريًا. وكان عدنان قد أضرب عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله إداريا في 8 أيلول / سبتمبر عام 2014 مدة 6 أشهر. وعلى الرغم من قرار محكمة “سالم” بإطلاق سراحه فورًا في تشرين الأول / اكتوبر 2014، اعترضت المحكمة النيابية للاحتلال على القرار بزعم “عدم استكماله محكوميته”، وجددت اعتقاله في كانون الثاني / يناير 2015، ومرة أخرى في أيار / مايو من العام نفسه لمدة 4 أشهر.
_ خاض الأسير عدنان، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام لمدة 58 يومًا رفضًا لاعتقاله التعسفي بتهم ملفقة، بدأه في أيلول / سبتمبر من العام 2018، رفضًا لاستمرار الاعتقال دون محاكمة.
_ في 30 من شهر أيار / مايو عام 2021، بدأ الأسير عدنان إضرابًا آخر الى أنّ علّقه بعد 25 يومًا حين انتزع محاميه قرارًا من الاحتلال بعدم تجديد اعتقاله الإداري والإفراج عنه.
في معركة الإرادة الكلمة في نهاية المطاف هي للأسرى ولابدّ للاحتلال أن ينصاع مهما طال أمد التضحيات.
الكاتب: مروة ناصر