يرتبط العلم ومفهومه ارتباطًا وثيقًا بالسيادة والسيطرة على المكان الذي يرفع فيه. دبلوماسيًا ووفقًا للأعراف، إنّ رفع العلم يعني التضامن، وتنكيسه يشير الى الحداد، فيما حرقه دلالة على إدانة الجهة التي يمثلها واستنكار ممارساتها. يمثّل العلم الهويّة، اذ إنّ أي جماعة تنهض، مهما كان حجمها، ليس فقط الدولة، تصيغ اسمها وترسم علمها، ويكون الأخير تجسيدًا معنويًا لانتماءاتها، وأيديولوجيتها، ومبادئها، وغير ذلك. في فلسطين المحتلّة، صادق “الكنيست” الاحتلال يوم الأربعاء الماضي، بالقراءة الأولى على “قانونٍ” يحظر ويجرّم رفع العلم الفلسطيني، ضمن صراع الهوية.
هناك يتحوّل الصراع الى صراع الأعلام، بين كيان إسرائيلي مؤقت يزعم علمًا فيما لا يوجد له أرض أصلية أو حدود أو سكان. وبين أصحاب الأرض الأصليين، الذين يعبّر علمهم عن هوية مساحة جغرافية هي 27.009 كيلو متر مربع، من رأس الناقورة عند الحدود اللبنانية الى أم الرشراش (“إيلات” في الجنوب المحتل)، ومن ساحل البحر الأبيض المتوسط الى نهر الأردن.
لم تمضِ 24 ساعة على مصادقة “الكنيست” لهذا القانون، وبالتزامن مع “مسيرة الأعلام” التهويدية في القدس المحتلّة، وبالتزامن مع الذكرى الـ 75 لاحتلال فلسطين، خرجت المسيرات الفلسطينية في كل الساحات نصرة للقدس وكل الأرض المحتلّة، تلبيةً لحملة “ارفع علمك” ردًا على المسيرة، ورفضًا “للقانون”.
شهدت المظاهرات الفلسطينية اشتباكات مع قوات الاحتلال التي حاولت قمعها واعتدت على الفلسطينيين لاسيما في بلدات القدس المحتلّة. وكذلك عند الحدود مع قطاع غزّة حيث ألقت طائرات الاحتلال القنابل الدخانية لتفريق الفلسطينيين، فيما رفعت الأعلام الفلسطينية على طول الحدود.
في سياق هذا الصراع ومحاولة الاحتلال المتكررة لطمس الهوية الفلسطينية بالاعتداء على رموزها، أكّد المتحدّث باسم حركة المجاهدين، مؤمن عزيز، لموقع “الخنادق أنّ “العلم الفلسطيني هو رمز للتاريخ والوجود الاسلامي والعربي على ارض فلسطين وما يمثله العلم الفلسطيني من حضور للقضايا الوطنية والشهداء والجرحى والأسرى الذين بأغلى ما يملكون فداء لوطنهم وأرضهم. وهذا القرار هو محاولة بائسة لطمس الهوية الاسلامية والعربية ومحاولة فاشلة لتثبيت وشرعنة الوجود الصهيوني، ومحاولة لفرض السيادة الصهيونية على الأرض والمقدسات الاسلامية في فلسطين”.
وحول الدور الفصائلي والشعبي للتصدي لهذا العدوان عل الرموز الفلسطينية، أوضح “عزيز” أنّ “المطلوب البوم هو اشعال الارض الفلسطينية نارا ولهيبا تحت اقدام الصهاينة ومنع استقرار هذا المحتل على أرضنا. كما يتطلب بناء استراتيجية وطنية شاملة قائمة على الحفاظ على الثوابت الوطنية من خلال برنامج وطني موحد يجمع الكل الفلسطيني والاستفادة من جهد الجميع كل حسب امكانياته”.
“قانون” تجريم رفع العلم الفلسطيني
يقضي هذا “القانون” بمنع رفع العلم الفلسطيني بشكل جماعي، وقمع الاحتجاجات وتنفيذ حملات الاعتقال، الى جانب فرض عقوبة جنائية بالسجن لمدّة سنة على متظاهرين يرفعون العلم. وسيحظر “القانون” حال تمرير بالقراءة الثانية ثمّ الثالثة، كل وقفة أو مظاهرة يتم خلالها رفع العلم الفلسطيني، أو ما يدعي الاحتلال أنها “أعلام معادية”. يصنّف هذا “القانون” وجود 3 أشخاص أو أكثر بـ “التجمّع”.
بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، فإن “صلاحيات حظر رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة تُمنح للمفتش العام للشرطة بموجب أمر الشرطة”. وقد تقّدم بهذا “القانون” عضو الكنيست ألموغ كوهين، عن حزب “عوتسما يهوديت”، بزعامة وزير الأمن الداخلي، ايتمار بن غفير. وصوّت له 54 عضوًا فيما عارضه 16 آخرين فقط.
ليست هذه المرة الأولى الذي يطرح فيها هذا “القانون”، ففي هذه الدورة من “الكنيست”، كانت العضو من حزب “الليكود”، ماي غولان، قد تقدمت به قبل أن يتم تعيينها وزيرة في الحكومة. ولم ينفك هذا “القانون” يُعرض في دورات عديدة سابقة “للكنيست”.
عام 2018، طرحت عضو “الكنيست” عن حزب “الليكود”، عنات باركو، مشروعاً مشابهاً يفرض عقوبات على من يرفع علم فلسطين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 48، وتصل العقوبة أيضًا الى السجن لمدة عام.
عام 2021 وعلى إثر الفعاليات الفلسطينية لإحياء يوم العودة والذي رفع فيه العلم الفلسطيني، قدّم عضو “الكنيست” من حزب “الليكود”، شلومو كرعي، مشروع “قانون” يقضي بوصف السلطة الفلسطينية بأنها “كيان معادٍ”. ويحظر رفع العلم الفلسطيني في الجامعات والكليات في الداخل المحتل. وادعى “مشروع القانون” فرض عقوبات تصل إلى حد السجن الفعلي وفرض غرامة مالية باهظة، والطرد من التعليم لطالب جامعي يرفع العلم الفلسطيني في حرم جامعة في الداخل المحتل. أمّا العضو السلك الأكاديمي في جامعة أو كلية، فيتعرّض بموجب “القانون” الى تعليق عمله لمدة ستة أشهر، وتدرج العقوبة نحو طرده من المؤسسة الأكاديمية إلى الأبد، وسلب حقه لمدة عشر سنوات بشهادة جامعية في الداخل أو الاعتراف بشهادة جامعة أجنبية.
وخلال حكومة نفتالي بنيت – يائير لبيد، فقد صادقت اللجنة الوزارية للاحتلال على “تشريع قانون ” في شهر يونيو (حزيران)، طرحه حزب “الليكود”، ويقضي بمنع رفع أعلام فلسطين في مؤسسات تمولها الحكومة ومن ضمنها الجامعات.
الكاتب: غرفة التحرير