ألقى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو خطابًا عقب وقف إطلاق النار ضمن معركة “ثأر الأحرار”، التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها سرايا القدس، ضد عدوان الاحتلال واغتيال قادتها. لـ “يقطف” فيه نتنياهو “ثمار” العدوان مبكرًا، معتبرًا أن اغتيال قادة المجلس العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، كان كفيلًا لحل أزمة الردع التي أصابت الجيش، وتغيير المعادلات مع غزّة. كما إدعى في ذلك الخطاب رضا الجمهور عن العدوان. فيما كان للميدان رأي آخر، اذ كشفت المقاومة الفلسطينية، على مدار 5 أيام، تكتيكات جديدة وتطورًا في الأداء، والتصنيع العسكري، على الرغم من أنه لم تمرّ سنة بعد على آخر معركة خاضتها (وحدة الساحات في آب / أغسطس 2022)، ما أدى الى تحليلات واستطلاعات رأي في الأوساط العبرية، لم تأتي على أهواء نتنياهو.
إمكانات غير متكافئة لكنّ “إسرائيل” لا تحقق المعادلات
رأى المحلل، نحميا شتراسلر، في مقاله بصحيفة هآرتس العبرية تحت عنوان ” لا أي معادلة جديدة ولا بطيخ”، أنّ “العملية لم تغيّر شيئًا في الواقع الاستراتيجي، بحيث اننا سنلتقي بجولة إضافية بعد عدة أشهر. معتبرًا أنه “من السخيف أيضًا التفاخر إنجازٍ عسكري مثير للإعجاب”.
انطلق، المحل في الصحيفة، من ناحية مقارنة القدرات غير المتكافئة بين جيش الاحتلال وسرايا القدس. بالقدرات والميزانية “الهائلة” التي يتمتع بها الأوّل، كان من المفترض أن تكون الموازين في الميدان مختلفة عن الواقع. هذا الواقع الذي يجعل من “الجهاد الإسلامي” التي لديها كمية محدودة من القذائف الصاروخية، وبعضها يُصنع ذاتيًا في مخارط قديمة في ورش صغيرة”، وفق الصحيفة، تستطيع أن تصل صواريخها الى “رحوفوت”، جنوبي “تل أبيب”، والتسبب بدمار هائل في مبنى مؤلف من 4 طوابق، ومقتل مستوطن.
توضح الصحيفة ” لدينا طائرات حربية متطورة، دبابات حديثة، مدافع ضخمة وسلاح بحرية، طائرات F35i يمكنها حمل عدة قنابل ذكية الواحدة منها بوزن نصف طن”، مقابل صناعة محلية، تنتج صاروخًا بمدى 70 كلم مع 20 كغ من المواد المتفجرة البسيطة (صاروخ براق – 85 الذي أطلقته سرايا القدس خلال المعركة باتجاه “تل أبيب”). أمام هذه المقارنة البسيطة، تعلّق الصحيفة “التباهي بإنجازٍ عسكري؟ هذه إهانة للذكاء”، لافتةً الى أنّ “الجهاد الإسلامي “تتلقى ضرباتٍ قاسية، لكن مع كل هذا تنجح في شل نصف البلد لمدة خمسة أيام”.
“إسرائيل” لا تردع “الجهاد الإسلامي”، فكيف كل المقاومة؟
على الرغم من حديث الأوساط “الإسرائيلية” حول تحقيق الجيش لبعض التكتيكات، مثل اغتيال القادة، الا أنّ المحللة يونا جيرمي بوب، في صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، قالت إنّه في “في كل مرة، فشلت الهيمنة التكتيكية للجيش الإسرائيلي في منع الجانب الآخر من إطلاق الصواريخ على نطاق واسع في أنحاء الجبهة الداخلية المدنية، سواء من حيث الحجم أو في الوصول إلى مدن أكبر”. ولمّا كان هدف مستويات الاحتلال في كلّ مرّة هو “ردع” كلّ أطراف المقاومة الفلسطينية، فإن “إسرائيل لا تستطيع حتى ردع الجهاد الإسلامي”، على حدّ تعبيرها.
غياب الاستراتيجية الإسرائيلية في غزّة
اعتبر الباحث في المجال الاستراتيجي في معهد أبحاث الأمن القومي، كوبي ميخائيل، أن الأخطر من كل ذلك، هو “غياب الهدف الاستراتيجي تجاه الساحة الفلسطينية، وهو وضع تتحمل مسؤوليته ليس الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو فحسب، إنما سابقاتها… في غياب هدف استراتيجي لا يوجد أي منطق استراتيجي لاستخدام التحرك العسكري، لأنه في مثل هذه الحالة لا يمكن تحقيق هدفنا، سنجد أنفسنا أمام حاجز مكسور في قطاع غزة”.
القادة لهم ورثة
على مبدأ “يخلف القائد ألف قائد” الذي شدّد عليه الناطق العسكري باسم سرايا القدس “أبو حمزة” خلال المعركة، أثبتت السرايا للمرة الثانية في أقل من سنة أنها قادرة على ترميم هيكليتها الداخلية في وقت قياسي، ومتابعة المعركة رغم الاغتيالات. هذا المبدأ المتميّز في قوى المقاومة، وفي حركة الجهاد الإسلامي، تطرق إليه الكاتب في صحيفة “إسرائيل هيوم”، إيال زيسر، إذ قال ” في السنوات الأخيرة، شن الجيش الإسرائيلي كل عام تقريبا عملية في غزة ضد الجهاد الإسلامي، مما أدى إلى القضاء على العديد من قادته، ليكتشف أن أولئك الذين تم القضاء عليهم لديهم ورثة يواصلون طريق الجهاد ضد إسرائيل وبالتالي، فإن نهاية كل عملية هي نقطة بداية العد التنازلي للعرض الترويجي التالي. مشيرًا الى أنه “بعد عقدين من العمليات في غزة، يجب الاعتراف بأن إسرائيل لا تزال غير قادرة على الرد على التحدي المتمثل في غزة”.
44% من المستوطنين غير راضين عن نتائج العدوان
كذلك، عقب المحلل العسكري للقناة 13 العبرية أور هيلر على ادعاءات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وبعض المسؤولين في حكومته المتطرفة حول نجاح الجولة العسكرية أمام حركة الجهاد الإسلامي في تغيير المعادلة”، بأنه “بات من الضرورة التأكيد أن معضلة غزة باقية ولا حل لها”. كما نشرت القناة 12 العبرية استطلاع رأي يبيّن أن 44% من الجمهور اليهودي رأوا أن حكومة نتنياهو فشلت في ترميم “الردع” أو “تغيير المعادلة” أمام المقاومة الفلسطينية.
الكاتب: مروة ناصر