على ضوء النتائج التي أفرزتها الجولة الأولى من الانتخابات التركية والتي ثبّتت حظوظ الرئيس الحالي، رجب طيب اردوغان في الفوز لرئاسة الجمهورية، تتوالى ردود الأفعال مختلفة بين متفائل ومتشائم لعودته التي باتت الأقرب إلى واقع الأرقام. وتقول صحيفة إسرائيل هيوم العبرية ان “اردوغان يكثر من الكلام لكنه يقلل من الفعل، وعملياً، تمكن من المناورة بين الغرب والشرق وبين روسيا والولايات المتحدة، وكان حذراً كما يحذر المرء من النار”.
النص المترجم:
اتضح أن أنباء نهاية عصر أردوغان كانت سابقة لأوانها. أولئك الذين تمنوا هزيمة ساحقة للرئيس التركي في انتخابات الرئاسة التي جرت الأسبوع الماضي، خاب ظنهم وسيضطرون لانتظار أيام أفضل، وربما انتظار أن يفعل الزمن فعله. فاردوغان ابن 69، وليس في أفضل صحة.
بخلاف التوقعات والاستطلاعات التي منحت تفوقاً واضحاً لمنافس اردوغان زعيم المعارضة كمال كليتشدر أوغلو، فقد حظي “الساحر” اردوغان بـ 49.5 % من الأصوات، وهي أقل بقليل من الـ 50 % اللازمة للفوز في الانتخابات من الجولة الأولى. حصل خصمه على 44.9 % فقط. كما تمكن اردوغان من المحافظة على الأغلبية التي لائتلافه في مجلس النواب التركي. والآن يتوقع المستطلعون انتصار اردوغان في جولة الانتخابات الثانية، بعد نحو أسبوع.
ثمة من يشرح انتصار اردوغان المتوقع أنه في أثناء سنوات حكمه، جعل تركيا دولة ذات نظام حكم مطلق تغيب عنه التوازنات والكوابح، دولة لا يتمتع فيها جهاز القضاء أو الإعلام بالاستقلالية، بل تقول “آمين” لإرادة الرئيس. غني عن الإشارة بأن معارضي اردوغان ومنتقديه زُجوا غير مرة في السجون، وإن أجهزة الأمن جندت لتعظيم شخصيته وضمان انتصاره في الانتخابات.
يخيل أن تركيا تحت حكم اردوغان أصبحت دولة باتت الديمقراطية فيها محدودة وجزئية، وتجد تعبيرها عملياً كل أربع سنوات فقط، في الانتخابات التي ليس للمعارضة فيها أمل في الانتصار.
ولكن يتبين أنه مثلما في أماكن أخرى في العالم، هذا ما أراده الناخب التركي، الذي صوت بجموعه في صالح اردوغان، حاكم مطلق يبث قوة من الداخل والخارج، ويمنح مواطني بلاده ورعاياه إحساساً بالعزة القومية والثقة به وبزعامته.
لقد دارت الانتخابات في تركيا حول مسألة سياسة الهويات. وهكذا، وفي الوقت الذي حاولت فيه المعارضة أن تعرض صراعها ضد اردوغان كصراع لإنقاذ الديمقراطية في الدولة وإعادة بناء اقتصادها، كان اردوغان قد عرض نفسه كحارس أسوار القومية التركية والإسلام.
كان اردوغان قد اتهم منافسه كليتشدر أوغلو بأنه مدعوم من الإرهابيين الأكراد والغرب، لذا يشكل خطراً على القيم الأساس للأمة التركية. تجدر الإشارة إلى أن مرشح المعارضة شخص علماني بل علوي (شيعي) وليس سُنياً.
معظم الناخبين في تركيا، وبخاصة في المناطق القروية وبلدات المحيط وفي الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى، يتماثلون مع رسائل اردوغان المحافظة، الدينية والقومية، وليس مع رسائل خصومه الليبرالية والغربية. لهذا السبب استجابوا بجموعهم لدعوة اردوغان ودعمه وإنقاذ بلاده. اردوغان في نظرهم هو البطل الذي يمثلهم ويمثل أبناء الشعب البسيط في وجه المؤسسة والنخب المتعلمة والغنية، أساساً العلمانية، من سكان المدن الكبرى.
والدليل – حتى في المناطق التي وقعت فيها هزة أرضية شديدة قبل بضعة أشهر، وعقب أن انكشف تقصير الحكومة وإهمالها، انتصر اردوغان. بالمقابل، فإن المدن الكبرى، وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول، مثلما هي الأقلية الكردية بشرقي الدولة، منحت أصواتها لمرشح المعارضة.
لقد اعتاد الأتراك على اردوغان، وحتى منتقدوه لا يشتاقون للأيام التي كان يسيطر فيها الجيش على الدولة زعماً باسم الديمقراطية والعلمانية والغربية. الوضع في تركيا اليوم وإن كان سيئاً، لكن الوضع الاقتصادي في تلك الأيام كان أسوأ بكثير، وفي حينه كان المعارضون السياسيون ملاحقين بل ويعدمون.
يخيل أن العالم أيضاً، وحتى نحن في إسرائيل، اعتاد على اردوغان. فهو يكثر من الكلام لكنه يقلل من الفعل، وعملياً، تمكن من المناورة بين الغرب والشرق وبين روسيا والولايات المتحدة، وكان حذراً كما يحذر المرء من النار.
والدليل أن العلاقات الدبلوماسية لم تقطع حتى في أيام الدرك الأسفل التي شهدتها علاقات إسرائيل وتركيا.
المصدر: إسرائيل هيوم
الكاتب: أيال زيسر