يقوم المجتمع اليهودي على أرض فلسطين المحتلّة على الطبقية والعنصرية والتمييز بين مكوناته. فحصل جزء من اليهود، وهم “الاشكناز”، على الامتيازات، وصنّفوا “أشراف” الكيان والطبقة العليا فيه. فيما دونهم، استجلبوا ليكونوا مجرد “حمير” وخدم في بناء هذا الكيان المؤقت، وهم “السفارديم”، وسحبت منهم الحقوق ليعيشوا في ظروف سيئة، لا تشبه ما يروّج له الاحتلال عن الحياة المتحضّرة والديمقراطية فيه.
من هم السفارديم؟
اليهود السفارديم هم الذين تعود أصولهم الأولى الى اسبانيا والبرتغال (بلاد الأندلس). امتدت التسمية لتشمل جميع اليهود من أصول شرقية، آسيوية وأفريقية. ومن بين أهم الدول التي قدموا منها المغرب، العراق ومصر واليمن وسوريا وإيران.
كلمة “سفارد” هي الكلمة العبرية المستخدمة للإشارة إلى إسبانيا. وتُستخدَم الكلمة في الوقت الحاضر للإشارة إلى اليهود الذين عاشوا أصلاً في إسبانيا والبرتغال. وذلك مقابل “الإشكناز”، أي اليهود الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوروبا.
الاستيطان في فلسطين المحتلّة
لم يفكر الكثير من اليهود السفارديم بالهجرة الى فلسطين قبل العام 1948. إلا أنه ومنذ الخمسينات من القرن الماضي، بدأت هجرة اليهود السفارديم، وبنسب كبيرة الى فلسطين المحتلّة حتى أصبحوا يشكلون نسبة 87.7 من المجموع الكلي للمستوطنين في العام 1956. وأخذت أعدادهم بالتزايد، لكن في السبعينات تراجع استيطانهم مقابل استجلاب يهود آخرين من دول أخرى. وصلت نسبة السفارديم في العام 1966 الى 34.2% من مجموع المستوطنين، ثمّ عام 2005 أصبحوا يشكلون 36% من مجموع المستوطنين مقابل 40% من الاشكناز.
لا يتحدث السفارديم باللغة العبرية السائدة لدى أغلب اليهود أو تلك الاشكنازية، بل لهم تعرف بـ “اللادينو” (الاسبانية والعربية والعبرية)، وهي مزيج من اللغتين الاسبانية والعبرية. اضطر الكيان الإسرائيلي الذي يعتبر أنه تأسس على يد الاشكناز الى القبول بتلك اللغة، وادماج عبرية السفارديم في المسرح ولغة الإذاعة وفي التعليم في الجامعات والمدارس. وقد اضطر المؤلفون في الأدب العبري الحديث، أو العاملون في مجال الدراسات اللغوية، حتى وإن كانوا من الإشكناز، إلى الخضوع للسان السفارديم.
العنصرية والطبقية: السفارديم حمير الاشكناز
لم يكن استجلاب اليهود الشرقيين من الدول التي توزعوا فيها، وكانوا يعيشون فيها حياةً جيدة، على عكس النبذ الذي تعرّض له اليهود في الغرب، لتطوير حياتهم كما وعودوا في كنف “الدولة العبرية”. ظل السفارديم مجرّد أداة في كيان الإسرائيلي تحقق غايات ومصالح الاشكناز، ومن أجل تحقيق التفوق الديموغرافي اليهودي على الفلسطينيين. ومن هذا المنطلق عانت تلك الفئة من العنصرية والطبقية ومن الحرمان، ومن الاستغلال الاقتصادي والتمييز الاجتماعي والتلاعب السياسي والثقافي.
تنطلق العنصرية من مبدأ أن الاشكناز أرادو تأسيس “دولة” ذات نمط أوروبي وتحاكي الحياة الغربية. ودائمًا ما رافقهم الخوف من تزايد نسبة الشرقيين وتوسعون بما يطيح بأهوائهم، ويعيدهم الى موضع الأقلية. كما بقيت النظرة الى السفرديم كجماعة وظيفية تعمل في خدمة الجماعة المهيمنة وهي الاشكناز. وصفوا بأنهم “اقتلعوا من مدنهم وقراهم بشكل مفاجئ بسبب الحاجة إليهم بشكل فوري لبناء دولة لم يكونوا شركاء في التخطيط لها”.
شكّل السفارديم بالنسبة للمجتمع اليهودي العنصري والطبقي، القوة البشرية التي استغلت في الأعمال التي تحتاج الى القوة الجسدية، مما عزّز الفجوات بينهم وبين الاشكناز على مستوى التوزيع الوظيفي ومستوى الدخل.
شغل 19.8% من اليهود الشرقيين وظائف إدارية في الكيان، مقارنةً بـ 42.9% من الاشكناز في تلك الوظائف. وفي عام 1985، كانت نسبة السفرديم في الوظائف الدنيا (مثل عمال الصناعة، التعدين، والنقل، والبناء…) 32.4% في حين كانت نسبة الاشكناز 12.9%. وبقيت نسبة السفارديم ضئيلة جدًا في الوظائف العليا: 3 من أصل 100 طبيب هم من السفارديم، 14.9% هم سفادريم في المهن العلمية والأكاديمية في حين أن نسبة الاشكناز في تلم المهن هي 40% لغاية عام 1993.
بيّن تقرير معهد Adeva للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (عبري)، الفجوات الحادة بين الأشكناز والمزراحيم (من السفارديم). ووفقًا للتقرير، فإن دخل المستوطنين الموظفين المولودين لأب أوروبي (أشكناز) كان أعلى بنسبة 41% من متوسط الرواتب عام 2009. في حين أن دخل المستوطنين الموظفين المولودين لآباء ولدوا في آسيا وأفريقيا، كان أعلى من المتوسط بنسبة 3% فقط.
أخيرًا في العام 2022، ومع بروز أزمة الانقسامات الحادّة في كيان الاحتلال، ترى صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية أنه “على الرغم من مرور أكثر من سبعة عقود منذ إنشاء الدولة ، لكن يبدو أن البعض لا يزال يعتقد أنه يمكن تحقيق مكاسب سياسية من خلال وصف الخصم بأنه أشكنازي أو سفاردي”.
“لقد جلبتم حميرًا”
على المستوى الاجتماعي، ترفض الاشكناز الزيجات المختلطة مع السفرديم، بزعم أن ذلك ينتج جيلًا فيه “عرق غبي”. وهنا يعلّق السفارديم ضد هذه الطبقية والعنصرية: “لقد جلبتم إلى هنا مليون حمار للتحميل ولوضعهم في إسطبلاتكم بعيدا عن منازلكم، أعطيتمونا سقف وشيئا لنأكله كما تفعلون مع الحمير، لكن بعيداً عن أطفالكم”.
في مخطط معد مسبقًا، استوطن السفارديم في مدن نائية وحدودية، تفتقر الى الخدمات وقليلة الموارد. كما استوطن بعضهم في معسكرات انتقالية، وفي أكواخ أو مخيمات في ظروف سيئة. وفي بعض الأحيان استخدموا لخدمة المستوطنات الاشكنازية سواء بالعمالة الرخيصة أو بوصفهم مناطق حاجزة بينهم وبين الفلسطينيين. أقيمت لاحقًا مستوطنات للسفرديم، لكنّ الوحدات السكنية المخصصة لهم صغيرة في المساحة، ومقارنةً بحجم عائلاتهم الكبير، ولم يملكوا حق التصرف بها لوقت طويل. وحتى السفرديم الذين سكنوا المدن في الداخل الفلسطيني المحتل، فقد استقروا في أحياء استيطانية فقيرة، فُصلت عن أحياء الاشكناز، وكانت أحيائهم تتفاوت من حيث مستوى العمران والخدمات والبنية التحتية، مما وسع الفجوة بين الاشكناز والسفرديم.
على الصعيد السياسي
لم يتمتع السفرديم بدور كبير على الصعيد السياسي في السنوات الأولى لاستيطانهم في فلسطين المحتلّة، فقد سيطر الاشكناز على مفاصل الكيان، والمراكز المهمة فيه، مثل الحكومة، و”الكنيست”، والخدمة المدنية، والقضاء، والأحزاب، وغيرها. الا أنّ سنة 1977 كانت مفصلية في الحياة السياسية للسفرديم، عندما صوتوا لصالح “حزب الليكود”، فبات ينظر إليهم على أنهم قوة تصويتية تستغل في فترات الانتخابات.
مع تطور الحياة السياسية في الكيان وانتقالها من نظام الحزب المهيمن، الى الحزبين المتنافسين، ثمّ الى مرحلة بروز الأحزاب الدينية والطائفية المتعدّدة، أخد السفارديم أدوارًا في الساحة السياسية. فظهر في تلك المرحلة الأخيرة حزب “شاس” (بزعامة ارييه درعي اليوم) في التسعينيات من القرن العشرين، وهو يسمى “حزب حرّاس التوراة السفارديم”.
أمام الواقع الذي عانى فيه السفارديم أمام الاشكناز، يعتبر “شاس” ليس فقطً حزبًا سياسيًا، ولكنه أيضا إطار ثقافي تقليدي يعبر عن الشعور بالاغتراب، والغضب والاحتجاج على أجهزة هذا الكيان، من منطلق أنه تخلى عنهم. يشارك هذا الحزب في استغلال الجمهور الشرقي والتهويل السياسي والثقافي، فهو ينظر اليه على أنه تعبير عن “الثقافة اليهودية الشرقية وفي الوقت نفسه وكيل سياسي وأيديولوجي”.
السفارديم من الأشد عداوة للفلسطينيين
يعتبر اليهود الشرقيين من بين الأكثر عداوة تجاه الفلسطينيين، ويرد البعض ذلك إلى موقعهم الاجتماعي المتدني في المجتمع اليهودي وموقعهم السياسي مع اليمين الإسرائيلي المتطرف. هذا الموقف من الشعب الفلسطيني يلخّصه، كلام الحاخام الصهيوني العراقي الأصل، أوفاديا يوسف، الذي أوصى اليهود بالإجرام بحق الفلسطينيين: “ممنوع الإشفاق عليهم، يجب قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم”. ويميل السفارديم دائمًا الى المعسكر اليميني واليميني المتطرف في كيان الاحتلال، وقد تصاعد هذا الموقف أكثر من توقيع اتفاق “أوسلو” عام 1993، ثمّ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.
الكاتب: مروة ناصر