تُعد الانتخابات النصفية للكونغرس، استفتاءً على إدارة الرئيس. وما يجعل هذا الاستحقاق تحديّاً حقيقياً أمام الرئيس الأميركي، جو بايدن، أنه يأتي في توقيت شديد الحساسية، تجتمع فيه عوامل “الانفجار”، وتنسحب على مرشحي كلا الحزبين بطبيعة الحال. إلا ان الأخير، سيكون له نصيب “الأسد” من الأزمات الحالية، التي يعاني منها الناخب الأميركي، نظراً إلى اخفاقه في تأمين الحلول التي كان قد وعد بها قبل عامين.
تأتي الانتخابات النصفية، التي تجرى كل عامين، في منتصف ولاية الرئيس التي تمتد لـ 4 سنوات، واستفتاءً شعبياً على أدائه. فهي إما تمنحه مزيداً من التأييد عبر وصول عدد أكبر من النواب الذي ينتمون إلى الحزب نفسه. إما ان تُقلّص قدرته على تمرير التشريعات والقوانين وحجب الثقة عن ادارته جزئياً، عبر تقليص عددهم في الكونغرس.
بالنسبة للديموقراطيين، فهم لم ينجحوا في إيجاد حلول لعدد من الملفات التي تتعلق مباشرة بالناخبين. من جهة أخفق بايدن في تحصين مجتمعه من أزمة الطاقة العالمية التي أثقلت كاهل المواطن الأميركي -رغم زيارته الى السعودية التي وعد بجعلها “دولة منبوذة”، والتي أتت بنتائج عكسية-، إضافة للتضخم والبطالة. ومن جهة أخرى، تورط إدارته في اذكاء الحرب في أوكرانيا، وتراجع حضوره الدولي بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق واخفاقه إلى حد الان بإحياء الاتفاق النووي، الذي كان قد وعد بالعودة إليه خلال حملته الانتخابية.
في حين يرى الجمهوريون أنهم في معركة من نوع آخر، تتعلق بقضية الإجهاض التي يعتبرها الأميركيون حساسة للغاية وتعديّاً على حقوق المرأة، وذلك بعد تجاوز المحكمة العليا – التي عيّن فيها الرئيس السابق دونالد ترامب قضاة محافظين – خطاً أحمر (حسب ما يراه الشارع الأميركي) إذ ألغت قراراً سابقاً يسمح بالإجهاض ويعتبره حقاً دستورياً. كما تأتي الانتخابات النصفية هذه المرة، مرفقة بالتحقيقات في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 كانون الأول/ يناير الماضي، الذي قام به أنصار ترامب، إضافة للتحقيق مع الأخير، بما يتعلق بالسجلات السرية للبيت الأبيض. ويعوّل الجمهوريون على احتمال فوزهم بالأغلبية، لوقف التحقيقات وحل لجنة التحقيق.
بالمقابل، يأتي ملف “الهجرة غير الشرعية” نقطة إيجابية لصالح الجمهوريين. اذ أنها تأتي كإحدى الثغرات التي يمكن أن يُستهدف بها الديموقراطيون، في ظل تزايد أعداد الهجرة عبر الحدود مع المكسيك خلال الآونة الأخيرة بما يتعارض مع السياسة الحمائية التي كان يتبناها ترامب رغم الانتقادات الحقوقية التي تعرض لها.
كيف تجري الانتخابات النصفية؟
منذ عام 1945، أجريت 19 انتخابات نصفية في الولايات المتحدة. خسر فيها الحزب الحاكم 17 مرة، فيما حقق نتائج جيدة خلال دورتين فقط، فغالبًا ما يخسر الحزب الذي يهيمن على البيت الأبيض في انتخابات التجديد النصفي لا سيما بشأن مقاعد مجلس الشيوخ مقارنة بمجلس النواب.
ويكون التصويت على مقاعد في مجلس الشيوخ والنواب. اذ ينتخب المواطن الأميركي 35 مقعداً من أصل 100 في مجلس الشيوخ، و435 مقعداً في مجلس النواب، و36 حاكم ولاية من أصل 50. ويعود السبب في عدم الاقتراع على المقاعد كافة مرة واحدة، إلى اختلاف نظام الانتخابات ومدد الولاية لهذه المناصب.
فبالنسبة لمجلس الشيوخ يتم انتخاب الأعضاء لمدة 6 سنوات، ويقسم عدد أعضائه الـ 100 إلى 3 كتل: مجموعتان يضمان 33 سيناتوراً، ومجموعة أخرى تضم 34 سيناتوراً. ويتم انتخاب إحدى المجموعات كل عامين، وبالتالي تكون مختلف المجموعات قد خضعت للانتخاب في غضون السنوات الستة أي فترة الولاية.
ويكون الوضع أكثر سهولة في مجلس النواب. اذ يتم انتخاب كافة الأعضاء لولاية تستمر لعامين. أما فيما يتعلق بانتخاب حكام الولايات الـ 50، (بولاية 4 سنوات) فيتخللها بعض الاستثناءات، وتنقسم الانتخابات فيها بين انتخابات في السنوات الفردية والمزدوجة.
اذ يتم انتخاب الحاكم في كل من نيوهامبشير وفيرمونت، كل عامين، وتأتي تزامناً مع الانتخابات النصفية او الرئاسية. ويستثنى من ذلك أيضاً، 5 ولايات، هي فرجينيا وميسيسيبي وكنتاكي ولويزيانا ونيوجيرسي، التي تختار اجراء الانتخابات في أعوام فردية للابتعاد عن تأثيرات الانتخابات العامة على مزاج ورؤية الناخبين.
وعلى ضوء ما سبق، تكون الولايات المتحدة أمام احتمالين:
-اذا حافظ الحزب الديموقراطي على الأغلبية في مجلس النواب والشيوخ، فذلك سيمنح إدارة بايدن دافعاً لاستكمال البرنامج الانتخابي الذي كان قد أطلقه سابقاً، وهو ما سيشكل الأرضية التي يتم خلالها تقييم أداء الحزب خلال الانتخابات الرئاسية القادمة خاصة مع إعلان بايدن نيته في الترشح.
-أما في حال سيطر الجمهوريون على غرفتي المجلس (النواب والشيوخ)، فسيسعوْن بطبيعة الحال، لعرقلة معظم التشريعات التي يسعى الديمقراطيون لتمريرها فضلًا عن المناكفات المتوقعة التي يكون الهدف منها تقليل حظوظ الحزب المنافس بما يساعد الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة.
الكاتب: مريم السبلاني