يوم الأربعاء بتاريخ التاسع من شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2022 أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بدأ انسحاب جيش بلاده من مدينة “خيرسون”. وخلال 48 ساعة تقريباً “اكتمل الانسحاب” فقط لم يبقى جندياً روسياً في المنطقة ولا “واحدة من المعدات العسكرية أو الأسلحة” وقد انتقلوا جميعاً إلى الضفة الشرقية لنهر “دنيبرو”، حسب ما أفادت وزارة الدفاع الروسية وقد اكتمل هذا الانسحاب تحديداً بحلول الخامسة صباحا بتوقيت العاصمة الروسية موسكو (0200 بتوقيت جرينتش) يوم الجمعة في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 2022. ولفت الوزارة أن موسكو “لم تتكبد أي خسائر في الأفراد أو المعدات أثناء الانسحاب”.
انسحاب روسي مدروس خارج توقعات الغرب
فيما توقّع جنرال أمريكي كبير في حديثه مع وكالة “رويترز” أن الانسحاب قد يستغرق “أياماً وربما أسابيع” نظراً لأن لدى روسيا “ما بين 20 و30 ألف جندي” عليهم العبور نحو الضفة الشرقية للنهر، وكذلك أيضاً قال وزير الدفاع الأوكراني للوكالة نفسها في اليوم التالي لإعلان شويغو الانسحاب إنه “يتوقع أن يستغرق الانسحاب أسبوعا على الأقل”. كان انسحاب القوات الروسية هو الأسرع على عكس التوقعات، حسب ما علّقت “رويترز”.
يدّل ذلك على أن الانسحاب كان قرارً روسياً واضحاً، نُفّذ بشكل مريح ومدروس، وربما انه قد بدأ قبل وقت من الإعلان الرسمي للانسحاب والأهم أنه تم بعيداً عن رصد الجيش الأوكراني او الأنظمة الأمنية الاستخباراتية الأوكرانية والغربية في “خيرسون”. ما يفتح الباب على تساؤلات حول تمكّن روسيا من الاختراق والتهّرب من الأنظمة معلوماتية غربية متطوّرة استقدمها الغرب دعماً لأوكرانيا.
نظام “دلتا” المعلوماتي الأمريكي
وقد ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أنه قبل ثلاثة أشهر نشر مقر الجيش في كييف بهدوء سلاحًا جديدًا ثمينًا في ساحة المعركة، وهو ليس قاذفة صواريخ أو مدفع أو أي نوع آخر من الأسلحة الثقيلة من الحلفاء الغربيين. بل، كان نظام معلومات يُعرف باسم “دلتا” – شبكة على الإنترنت يمكن للقوات العسكرية والمسؤولين المدنيين وحتى المارة أن يستخدموه لتتبع وتبادل التفاصيل التي يحتاجون إليها حول القوات الروسية”.
هذا النظام (دلتا) الذي طوّره “المركز الأوكراني للابتكارات وتطوير تقنيات الدفاع” بالتنسيق مع “الناتو”، “يساعد على ضمان الوعي بالحالة والتفاعل”، (حسب موقع Reddit).
ويوفر النظام محتوى ومعالجة المعلومات التي يتم جمعها عبر أجهزة الاستشعار، مثل المخبرين على الأرض والاستطلاع الجوي وتحليل صور الأقمار الصناعية. مما يسمح لقادة قوات الدفاع باتخاذ قرارات سليمة حسب ما يجري في الميدان. ويتميّز نظام “دلتا” بأنه يوفر وصولاً فوريًا إلى المعلومات لمستخدميه.
وعلى الرغم من أن “نيويورك تايمز” قد ادعت أن القوات الأوكرانية استخدمت “دلتا” خلال المواجهات مع القوات الروسية في “خيرسون” الا أن التوقعات الأمريكية والأوكرانية لمدّة الانسحاب الروسي من المدينة لم تتطابق مع الوقت الفعلي القصير الذي احتاجت اليه القوات الروسية للانسحاب! بل وتخوّفت كييف من انجرار جنودها إلى كمين قد نصبه الجيش الروسي في مدينة “خيرسون” بالتزامن مع الانسحاب.
وبالعودة الى دلائل هذا الانسحاب الروسي فإنه يشير أيضاً الى وجود خطة استراتيجية لدى روسيا لإدارة الحرب وخطوات التراجع والتقدم حسب ما يقتضي الميدان ومستجداته. فبحسب آراء العديد من الخبراء، فإن روسيا تهدف في هذه المرحلة الى التقليل قدر الإمكان من خسائرها، قبل حلول الشتاء الذي تعتبره أحد أسلحتها الاستراتيجية.
الكاتب: مروة ناصر