أخيراً ، اعلنت ايران عن زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بمعدل 60%. وهذا ما فتح النقاش في كيان الاحتلال على مدى أهلية واستعداد الأجهزة الأمنية والعسكرية لمواجهة “هذا التهديد”. ويقول الصحفي الاسرائيلي ألون بن ديفيد، في هذا الصدد، ان “لا قدرة لاسرائيل على مواجهة ايران بمفردها”. معتبراً انه “منذ دفع الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، جمع الإيرانيون معلومات وقدرات تجعل برنامجهم النووي شبه محصن من هجوم عسكري. وفي الوقت نفسه لم يكرس نتنياهو مقدرات لتطوير الخيار العسكري الإسرائيلي وأضاع سنوات باهظة الثمن”.
النص المترجم:
قبل الثامنة صباحاً، كان رئيس الوزراء في مكتبه، غارقاً في مكالمة جماعية عاصفة مع وزيري الدفاع والمالية. ملأ الصراخ فضاء الغرفة واستصعب رئيس الوزراء النبس بكلمة. أقيمت ليلاً خمس بؤر استيطانية أخرى في “يهودا والسامرة” يتصدرها وزير المالية وأعضاء حزبه. الوزير نفسه أجرى المكالمة من رأس تلة مكشوفة في أطراف جنين نالت اسم “معاليه زلفا”. كادت أصوات الغناء والرقص من حوله تفوق صوته حين قال بانفعال: “ها هو، إنها البلدة الخمسين التي أقمناها. في غضون نصف سنة نجحنا في تغيير خريطة بلاد إسرائيل”. بالضجيج الذي أحاطه، لم يكن احتمال لأن يسمع وزير الدفاع الذي صرخ بمرارة بأن البنتاغون لا يجيب على مكالماته منذ ثلاثة أشهر.
لكن رئيس الوزراء سمع شكوى وزير الدفاع: “سيدي، أطلب أن تقر لي إخلاء المستوطنين بشكل فوري. فالأمريكيون يعرقلون إرساليات الاسلحة الدقيقة التي اشتريناها منذ خمسة أشهر، وباتت مخزوناتنا أقل بكثير دون الخط الأحمر”. دفن رئيس الوزراء وجهه بيديه. كان يعرف كيف ستنتهي المكالمة. وعندها فتح الباب.
وقف في فتحة الباب السكرتير العسكري بوجه ينذر بالشر. “يتعين عليّ أن أنهي. نواصل بعد ذلك”، قال رئيس الوزراء فيما كان يعرف أن أياً من الصقرين لا يسمعه، وقطع الاتصال. “ماذا حصل؟”، سأل السكرتير العسكري. “رئيس الأركان، ورئيس الموساد، ورئيس “أمان” يتواجدون هنا”، وأضاف السكرتير العسكري: “هم مضطرون للتحدث معك على عجل”. دون انتظار إشارة منه، دخل الأشخاص الثلاثة إلى الغرفة بوجوه تمتلئ قلقاً وجلسوا. “سيدي”، بدأ رئيس الموساد، “في الأيام الأخيرة تجمعت في شعبة الاستخبارات أمان أنباء من عدة مصادر بأن إيران استأنفت عمل مجموعة السلاح لديها. وهذه الليلة نقل لنا مصدرنا هذه الصور التي تؤكد النبأ بما لا يرتقي إليه شك”، قال، ووضع كومة من الصور على الطاولة. مد رئيس الوزراء يديه إلى كومة الصور وقبل أن يتمكن من النظر فيها ضج صوت رئيس الأركان: “سيدي، بدأت إيران تبني قنبلتها النووية”.
تجمدت يد رئيس الوزراء الممدودة. منذ 25 سنة وهو يعدّ نفسه لهذه اللحظة، التي يضفي بها على نفسه عباءة المخلص. حذر على مدى ربع قرن من على كل منصة ممكنة “إيران، إيران، إيران!”، والآن حانت لحظه إزالة التهديد الوجودي عن شعبه، وتسجيل نفسه زعيماً لتاريخ إسرائيل بقامة توراتية.
صمت وانتظر إلى أن يعلوه إحساس السمو، ولكنه شعر ببرودة شديدة تمتد في عروقه وتجمدها. وللتهدئة أخذ رشفة من القهوة التي أمامه الذي برد وقال: “بالطبع سنجمع كل المحافل المناسبة للبحث في هذا التطور، لكن قولوا لي: ما وضعنا؟ هل نحن جاهزون؟”.
تبادل الثلاثة بينهم نظرات حرج، وبعد ثوان من الصمت كحكح رئيس الأركان حنجرته وبدأ يقول: “أنت تعرف، يا سيدي، إنه منذ بدأ زخم الاستيطان في “يهودا والسامرة”، ألغى الأمريكيون مناوراتنا المشتركة للهجوم، علقوا إرساليات الذخيرة الدقيقة وطائرات شحن الوقود، بل وغيروا الأرقام السرية للتشخيص الصديق التي أعطوها لطائراتنا في حالة اضطرارها الطيران فوق الخليج الفارسي”. وتأزر الصوت الواثق لرئيس الأركان بالشجاعة أيضاً من رئيس الموساد وواصل حديثه: منذ زيارة وزير الأمن الداخلي إلى الحرم حين أعلن بأن المساجد ستختفي من هناك، قطع السعوديون والأردنيون الاتصال بنا. لا احتمال أن نتلقى موافقة صامتة للطيران في مجالهم الجوي”.
والمشكلة الأساس، واصل الحديث رئيس شعبة الاستخبارات أمان هي أن البرنامج النووي الإيراني بات عميقاً في مجال الحصانة. لا قدرة حقيقية لنا لمنعهم من تخصيب اليورانيوم أو المعلومات النووية التي جمعوها. وحتى لو نجحنا في تأخيرهم، فسيكون هذا على مدى أشهر قليلة فقط. لا شيء مما قيل كان جديداً على سمع رئيس الوزراء، ولا يزال، لسماع الأمور شعر كيف تغلق عليه حيطان الغرفة.
السيناريو خيالي بالطبع، لكنه يقوم على أسس حقيقية ولا ينعدم احتمال التحقق. فالطريق المسدود التي وصلت إليه المفاوضات على الاتفاق النووي، مضافاً إليها الاضطرابات الداخلية في إيران، كفيلة بأن تؤدي بالإيرانيين للخروج إلى مغامرة استفزازية. قد يكون هذا تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 90%، مثلما حذر رئيس شعبة الاستخبارات هذا الأسبوع أو ربما أيضاً استئناف مجموعة السلاح، الجسم المسؤول عن بناء القنبلة.
استكملت إسرائيل هذا الأسبوع خطوة لتوثيق التعاون مع الأمريكيين ضد إيران وفروعها. زيارة رئيس الأركان إلى الولايات المتحدة استهدفت شد البراغي قبيل مناورة مشتركة لسلاح الجو مع الأمريكيين. الخطوة التي ولدت في إطار العلاقات مع قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية رفعت إلى المصادقات وتلقت مباركة البيت الأبيض للتقدم.
لكن بالتوازي، استقبلت في إسرائيل عشرات التوجهات القلقة (بعضها حتى هستيرية)، جاءت من الولايات المتحدة، من الشركاء في المنطقة ومن دول في المنطقة لم تصبح بعد شريكة علنية، على السياسة المتوقعة للحكومة الجديدة في “يهودا والسامرة” وفي الحرم. وكانت الأسئلة بصيغة مشابهة: هل تعتزم حكومة اليمين المتطرفة ضم يهودا والسامرة؟ هل ستقيم عشرات المستوطنات الأخرى؟ هل ستغير الوضع الراهن في الحرم؟ كما اهتم الأمريكيون بمعرفة هل يعتزم رئيس الوزراء الجديد/القديم أن يستخدم الكونغرس كي يتجاوز البيت الأبيض.
صحيح أن بنيامين نتنياهو يرث وضعاً أمنياً مهزوزاً في الضفة الغربية والقدس، لكن يوجد استقرار في غزة وحدود الشمال والبنية التحتية الجيدة للتعاون مع الولايات المتحدة ودول المنطقة حيال إيران. نتنياهو، الذي كانت إيران تدور في عقله لسنوات كفيل بأن يكتشف أن السهم المرتد للمناطق في يده. فالسياسة التي سيتخذها هو وشركاؤه الائتلافيون في “المناطق” [الضفة الغربية] والقدس ستؤثر على قدرته على العمل في باقي الساحات.
منذ دفع الولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، جمع الإيرانيون معلومات وقدرات تجعل برنامجهم النووي شبه محصن من هجوم عسكري. وفي الوقت نفسه لم يكرس نتنياهو مقدرات لتطوير الخيار العسكري الإسرائيلي وأضاع سنوات باهظة الثمن.
والآن، بينما توجد إسرائيل في ذروة بناء الخيار العسكري المتجدد، بات واضحاً أن ضربة لمنشآت إيران النووي لن تجدي نفعاً، فإسرائيل ملزمة بالقدرة على إدارة معركة متواصلة مع إيران، قدرة تهدد بقاء النظام الإيراني. ليس لإسرائيل قدرة مستقلة لإدارة معركة كهذه، إلا بإسناد أمريكي.
العنوان (غير الناجح جداً) الذي صدر قبل أكثر من عقد – “يتسهر مقابل بوشهر” كفيل بأن يلقى حياة متجددة في السنة القادمة. فتركيبة الحكومة الجديدة ستجبر نتنياهو على الاختيار بين تطلعات الشركاء لضم “المناطق” [الضفة الغربية]، للخروج إلى سور “واق 2” وفرض سيادة كاملة على الحرم، وبين وعوده: توسيع اتفاقات إبراهيم ونزع التهديد النووي من إيران.
المناطق الآن على شفا الغليان، والسلطة الفلسطينية على شفا الانهيار. السياسة التي سيستخدمها في قيادة المنطقة الوسطى (فكمز) ستؤثر على مجال مناورته حيال إيران. وإذا ما صغنا الأمر بشكل أدق، فسيكون خياره بين فكمز ونطنز.
المصدر: معاريف