تستلم بغداد منصّات نقالة من العملة الأمريكية عبر الطائرات كل بضعة أشهر، لتزويد العراق بالدولارات. تتدفق الدولارات العراقية إلكترونيًا في المعاملات من قبل البنوك العراقية الخاصة، لتتم معالجتها من الحسابات الرسمية العراقية في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حيث يتم إيداع عائدات مبيعات النفط.
منذ أن تسلّمت الولايات المتحدة إنشاء البنك المركزي العراقي في عام 2004، أصبح الدولار الأمريكي العملة الرئيسية للبلاد لأن أغلب الاقتصاد يعمل على النقد. وهكذا تتحكم الإدارة الأمريكية بأموال العراقيين. “الكل يعرف كيف يستخدم الأمريكيون العملة كسلاح لتجويع الناس”. يقول رئيس تحالف الفتح هادي العامري. يعطي الأمريكيون لأنفسهم الوصاية الكاملة على أموال العراق. في عام 2015، أوقف الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة مؤقتًا تدفق مليارات الدولارات إلى البنك المركزي العراقي بسبب ادعاءات أن العملة كانت ستذهب في نهاية المطاف إلى البنوك الإيرانية، وربما يتم تحويلها إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
صدمة مالية في الأسواق العراقية
يمكن ملاحظة التراجع الحاد في معاملات البنوك العراقية بالدولار. في 17 أكتوبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، بلغت التحويلات اليومية من الحسابات الرسمية للعراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك والمؤسسات الخارجية الأخرى 224.4 مليون دولار، وفقًا للبيانات. وفي 17 يناير / كانون الثاني، أمسى 22.9 مليون دولار، بانخفاض يقارب 90٪. ومع ندرة الدولار، هبطت العملة العراقية بما يصل إلى 10٪ مقابل الدولار، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، بما في ذلك السلع الأساسية مثل البيض والدقيق وزيت الطهي. فما هو السبب؟
يلقي العراقيون باللوم على الولايات المتحدة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع المستوردة، حيث بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بفرض ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية للدولار من قبل البنوك التجارية العراقية في نوفمبر/ تشرين الثاني، لنفس الأسباب السابقة وهي ادعاء ذهاب الدولارات إلى إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط تخضع لعقوبات شديدة بحجة قانون غسيل الأموال.
منذ أن دخلت الإجراءات حيز التنفيذ، تم حظر 80٪ أو أكثر من التحويلات البرقية بالدولار اليومية للعراق، والتي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار في بعض الأيام، بسبب عدم كفاية المعلومات حول وجهات الأموال أو أخطاء أخرى، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وعراقيين، ما أدى إلى حدوث صدمة مالية أدت إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية.
كما منع البنك المركزي العراقي أربعة مصارف عراقية خاصة – الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا – من مزاد النقد الأجنبي. جاء هذا القرار استجابة لتوجيهات وزارة الخزانة الأمريكية التي اتهمت هذه البنوك بتهريب العملات.
السوداني: تقلُّب العملة مؤقت
تولى محمد شياع السوداني منصبه في الوقت الذي بدأت فيه العملة بالانخفاض. صرح الرئيس بأنه سيرسل وفدًاً إلى واشنطن الشهر المقبل مع اقتراح بإنهاء التدقيق الصارم في المعاملات العراقية مؤقتًا لمدة 6 أشهر. سعى السوداني إلى طمأنة العراقيين، قائلاً “إن تقلب العملة مؤقت وإن سعر الصرف يجب أن يستقر قريبًا بمجرد أن تتخذ الحكومة خطوات لحماية المال العام ومنع التهريب وغسيل الأموال”. وقال في إحدى المقابلات: “إن تصرف بنك الاحتياطي الفيدرالي يضر بالفقراء ويهدد ميزانية حكومته لعام 2023″.
وفور وصول سعر الصرف إلى أعلى مستوياته، بادر السوداني إلى إقالة محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف مرفقًا بمجموعة من القرارات ومنها إحالة مدير المصرف العراقي للتجارة سالم جواد الجلبي إلى التقاعد، وتكليف بلال الحمداني لإدارة المصرف الحكومي. وفتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجّار عبر المصرف العراقي للتجارة وتمويل البنك المركزي للمصرف العراقي للتجارة بمبلغ إضافي قدره 500 مليون دولار لغرض فتح الاعتمادات لصغار التجار”.
بدء انخفاض سعر الصرف بعد تدابير السوداني
انخفضت أسعار صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، اليوم الثلاثاء، في البورصة الرئيسية بالعاصمة بغداد، واقليم كوردستان. وسجلت بورصتي الكفاح والحارثية المركزيتين في بغداد صباح اليوم 158500 دينار عراقي مقابل 100 دولار أمريكي، فيما كانت الأسعار صباح يوم أمس الاثنين 162800 دينار عراقي مقابل 100 دولار.
اسعار البيع والشراء انخفضت في محال الصيرفة بالأسواق المحلية في بغداد، حيث بلغ سعر البيع 159000 دينار عراقي لكل 100 دولار امريكي، بينما بلغت أسعار الشراء 158000 دينار عراقي لكل 100 دولار امريكي.
أما في اربيل عاصمة اقليم كوردستان، فإن أسعار الدولار في البورصة سجلت انخفاضًا عن صباح يوم أمس الاثنين حيث بلغ سعر الدولار البيع 159250 دينارا لكل 100 دولار أمريكي، وبلغ سعر الشراء 159225 دينارًا لكل 100 دولار امريكي.
على من يحتجّ الشعب العراقي؟
أجرى مركز الاستبيان واستطلاع الرأي في معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية استبيانًا حول آثار ارتفاع سعر صرف الدولار على المواطنين، وجاءت في النتائج، أن 69.47% من العينة يعتقدون أن الإجراءات والسياسات الاقتصادية في البنك الفيدرالي الأمريكي هي التي أدت إلى ارتفاع سعر الصرف، بهدف إخضاع حكومة السوداني الموالية للإطار التنسيقي، كما توقع 60.93% عودة الاحتجاجات تزامنًا مع ارتفاع سعر الصرف والمواد الغذائية، ولكن هذه المرة ممن هم تحت خط الفقر، الذين يعجزون عن توفير المواد الأساسية لغلائها. وهو الأمر الذي يطرح سؤال: على من سيحتجّ الشعب العراقي؟
الواقع أن كل الدول التي تستخدم الدولار كعملة بديلة أو موازية لعملتها الوطنية، هي خاضعة عمليًا إلى البنك الأمريكي الفيدرالي.
الكاتب: زينب عقيل