شكل الاجتياح الإسرائيلي صدمة استفزت الشباب الصيداوي بشكل عام وشباب الجماعة الإسلامية بشكل خاص. وسرعان ما تحولت هذه الصدمة إلى درس تاريخي قاس ومرير، خصوصاً بعدما وقف هؤلاء الشباب في طوابير الاذلال والتفتيش أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، كما كانت قوات العدو تقوم باعتقال كل من حمل السلاح وقاتل دفاعاً عن العرض والأرض.
كان الشباب يقفون لساعات طويلة تحت حرارة القيظ الشديد، وكان مخيم عين الحلوة ما زال صامداً تحت القصف العنيف. كانت كرامة شباب صيدا منتهكة في وقفات الذل هذه.
وفي ظل هذه المشاعر الأليمة والنفسية المنهارة، ومن رحم الآلام، بدأ العمل المقاوم في عاصمة الجنوب صيدا، تخطيطاً، إعداداً، وتدريباً، وتسليحاً، وقتالاً، ومن خلال هذا المنهج وضعت الخطط العملانية للمقاومة في المدينة. وكان العدو الإسرائيلي فاجأ اللبنانيين والقوى الفلسطينية في مطلع حزيران 1982 بغارات جوية بدأت في 4 حزيران، مستهدفاً معظم المناطق الوطنية اللبنانية، لا سيما مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الجنوب، ومواقع فلسطينية في بيروت وضواحيها، خصوصاً المدينة الرياضية وكلية الهندسة التابعة لجامعة بيروت العربية، وبعد يومين من القصف الجوي، بدأ الهجوم البري على الجنوب من المحاور كافة، بدأ الهجوم البري على الجنوب من المحاور كافة، ترافق مع قصف جوي مركّز، وخلال أيام تمكنت قوات الاحتلال من الوصول الى مخيمات صيدا، وطوّقت المدينة، وتجاوزتها إلى منطقة خلدة قرب مدينة بيروت حيث جرى التصدي لها ومنعها من التقدم.
في صيدا فوجئت الجماعة الإسلامية بالهجوم الإسرائيلي كغيرها من الفصائل الوطنية والفلسطينية. ولكنها بادرت الى استجماع قدراتها العسكرية تمهيداً لإطلاق المقاومة العسكرية ضد الغزو الإسرائيلي، يومها كان المسؤول العسكري في الجنوب جمال حبال (استشهد لاحقاً)، في حين كان سليم حجازي مسؤول قسم الطلاب في صيدا.
كان الشباب المقاوم يعقد لقاءات في المساجد، بشكل لا يثير الريبة وبعيداً عن عيون العملاء.
انهيار منظمة التحرير الفلسطينية وانسحاب مقاتليها، كشف صيدا تماماً، فقد حُشر شباب الجماعة في زاوية ضيقة، لكنهم استمروا بالمقاومة العدو الغازي، ولكن سقوط المدينة، جعل شباب الجماعة يتحضرون للمقاومة، فقاموا بجمع الأسلحة المنتشرة في البساتين وبعض الطرقات، والتي تخلص منها أفراد من التنظيمات اللبنانية والفلسطينية، بهدف تخزينها والاستفادة منها في عمل المقاومة لاحقاً. وبعد تنظيم الأمور وتكوين الخلايا والمجموعات الخاصة بالعمل المقاوم وبالشكل الملائم لحرب العصابات.
بدأت عناصر الجهاز العسكري بالقيام بعمليات عسكرية بمسؤولية جمال حبال، وكانت هوية تلك العمليات غير مكشوفة. استمر العمل دون قرار مركزي لفترة قصيرة لم تتعد الشهر ونصف الشهر، وتشكلت لجنة للعمل السياسي والإعلامي والتنسيق، وانطلق العمل تحت اسم “قوات الفجر – المقاومة الإسلامية”. واستمر العمل تحت مُسمى “قوات الفجر – المقاومة الإسلامية” دون أي تظهير إعلامي لمن يقف وراءها.
ولكن بعد استشهاد جمال حبال في 27 كانون أول 1983، انكشف من يقف وراء “قوات الفجر”، وجرى اعتقال عدد كبير من أعضاء وقيادات الجماعة الإسلامية، وأصدرت الجماعة عدة بيانات استنكار لحملة الاعتقالات والاعتداءات الإسرائيلية.
كان العام 1985 عاماً مفصلياً في تاريخ العمل المقاوم، للجماعة الإسلامية، فقد انسحبت قوات الاحتلال في مطلع هذا العام، وفي 18 آذار 1985 اندلعت مواجهة بين مقاتلي الجماعة الإسلامية والعملاء، وفي 29 نيسان 1985 تم تحرير مدينة صيدا بشكل كامل. كان لقوات الفجر، أيضاً عمليات عدة في مناطق خارج صيدا، كإقليم الخروب.
وبقيت “قوات الفجر” على جهوزيتها وسلاحها المقاوم حتى سنة 1991، لحين تم تنفيذ اتفاق الطائف، حيث أقدمت الجماعة الإسلامية على حل الجهاز العسكري التزاماً باتفاق الطائف على رغم دورها الريادي في العمل المقاوم.
الكاتب: نسيب شمس